أثار الحكم الذي أصدرته المحكمة الهندية العليا في نيودلهي مطلع يوليو الجاري، ويجيز ممارسة الشذوذ -مخاوفَ البعض بدول الخليج خشية استقدام شواذ من الهند التي تعد المصدر الأول للعمالة بها، واعتبروه الضوء الأخضر للشواذ الهنود الموجودين بها للقيام بمثل تلك الأعمال أو الترويج لأفكارهم.
وفيما قلل البعض من تأثير ذلك الحكم، مؤكدين أن العمالة الأجنبية تلتزم بقوانين البلد الذي تعمل فيه، حذر آخرون من أن التجمعات الأجنبية عادة ما تشكل مجتمعات مرتبطة بالمحيط الاجتماعي والثقافي لمجتمعاتها الأصلية.
يأتي هذا بينما اعتبر خبراء نفسيون أن الأمر قد لا يشكل خطورة حاليا، ولكنه ناقوس تحذير لدول الخليج، وطالبوا بإدراج الهوية الجنسية كشرط للاستقدام من الدول التي تبيح الشذوذ.
كارثة التجنيس
طالع أيضا:
انتقادات وإشادات لإباحة الشذوذ في الهند
ليس سرًّا أن الكثافة الهندية للعمالة كان لها تأثيرها الواضح على دول الخليج من الناحية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، ولعل اللغة العربية التي تأثرت إلى حد كبير بالمفردات الهندية تعتبر أحد مظاهر ذلك التأثير، ولكن الأخطر تمثل في طلب الهند من هذه الدول في ديسمبر 2008 تجنيس العمالة الهندية ومنحها حقوقا سياسية، وهو الأمر الذي اعتبره الدكتور مجيد العلوي وزير العمل البحريني آنذاك كارثة أخطر من القنبلة النووية على دول الخليج.
وعلى الرغم من أن العمالة الهندية من أكثر العمالة التزاما من الناحية الأخلاقية مقارنة بجنسيات أخرى مثل البنجال، والذي سبق أن ظهرت حملات في كل من الكويت والسعودية لطردهم من البلاد، وبرغم أن حكم المحكمة الهندية لا يسري من الوجهة الإدارية سوى على العاصمة الهندية فقط، فإن كل هذا لا يلغي حقيقة تنامي المد الهندي بالخليج حتى أصبح السؤال: هل يستطيع هذا المد نقل الشذوذ للخليج؟ وما السبيل لمواجهته؟
ناقوس تحذير
د. محمد عبد العليم، استشاري أول الطب النفسي ومدير البرامج بمركز التأهيل الاجتماعي "العوين" بقطر، اعتبر قرار المحكمة الهندية لا يشكل خطرا مباشرا على دول الخليج، ولكنه في الوقت نفسه طالب بعدم تجاهله، حيث اعتبره ناقوس خطر ينبه الدول المعنية لدراسة استقدام عمالة من دول تبيح الشذوذ، سواء من الهند أو من دول أخرى، لافتا إلى أن من حق هذه الدول أن تحافظ على قيمها وعاداتها؛ لأن وجود شخص واحد شاذ قد يروج أفكاره لدى الكثيرين.
واقترح د. عبد العليم في تصريحات لـ"إسلام أون لاين.نت" إدراج الهوية الجنسية كشرط لاستقدام العمالة من الخارج، حتى يتم التحقق من العامل الذي يتم استقدامه إن كان سويا أم شاذا.
وتابع: أدرك تمامًا أن هذا يتعارض مع بعض ما تطالب به جمعيات حقوق الإنسان بزعم أن الشذوذ حرية شخصية، ولكن حرية الفرد تنتهي إذا كان لها تبعات ومؤثرات سلبية على حرية الجماعة، ومن هذا المفهوم أرى أنه لكل كفيل أو شركة أو مخدم الحق في أن يعرف الهوية الجنسية لمن يتم استقدامه، ويمكن لهذا الأمر أن يتم في سرية تامة.
وعن مدى إمكانية تحقيق هذا الأمر من الناحية العملية والتشريعية، قال د.عبد العليم: عمليا تطبيقه في الدول التي تبيح الشذوذ أمر ليس بصعب، فيمكن للمكتب الذي يقوم بالاتفاق مع العمالة في بلادها التأكد من ذلك بسهولة، وخاصة أن الشخص الذي يمارس الشذوذ في هذه المجتمعات يعلن عن نفسه؛ لأن هناك مظلة قانونية تصرح وتسمح بممارسة الشذوذ في تلك الدول.
وكشف الخبير النفسي أن هناك مؤسسات داخل قطر أخذت زمام المبادرة وتطبق هذا الإجراء منذ فترة حفاظا على أجواء ومحيط العمل.
وأضاف أن "العوين" ليس جهة تشريعية، وأنه سيتم طرح هذا الاقتراح على كل الجهات ذات العلاقة بوزارة الداخلية ووزارة العمل ومكاتب الاستقدام، مشيرا إلى أن الهم الشاغل للمركز يتمثل في تثبيت قيم المجتمع والدفع بها بعيداً عن مثل هذه النزعات السالبة، والعمل للحفاظ على ثوابت المجتمع ومبادئه.
وشدد عبد العليم على أهمية التربية الإسلامية والتنشئة الاجتماعية السليمة كوقاية للأجيال القادمة، إضافة إلى ضرورة وجود أطروحات علمية إسلامية تدحض ادعاءات جمعيات الشذوذ، وأن تكون هناك برامج مضادة لما يصل عبر الفضائيات والإنترنت.
بالضغوط.. لم يعد مرضا
واتفقت د. داليا مؤمن الاستشارية النفسية بمركز العوين مع د.عبد العليم في عدم وجود مخاطر حالية من قرار المحكمة الهندية، ولكنها حذرت من التداعيات المستقبلية لذلك الحكم، وأنه قد يعطي قبولا اجتماعيا لممارسة الشذوذ داخل مجتمعاتهم، أو فيما بين بعضهم البعض في الدول التي يعيشون فيها، وأنه مستقبلا قد يأتي وقت ويطالبون بممارسة شذوذهم علنا.
وبينت أن ضغوطهم أدت إلى حذف الفصل الخاص بالشذوذ من قائمة الاضطرابات النفسية، في الدليل التشخيصي الرابع للاضطرابات النفسية، والذي يُعتبر المصدر الرئيسي لتشخيص الاضطرابات النفسية في أمريكا وفي أغلب دول العالم، وبهذا لم يعد الشذوذ مرضا لديهم.
وعن رأيها في مقترح اشتراط الهوية الجنسية لمن يتم استقدامه، أعربت د.داليا عن رفضها اشتراط إدراج الهوية الجنسية لمن يتم استقدامه من الهند فقط، ما لم يتم تطبيقه في كل الدول التي تبيح الشذوذ، كما أعربت عن رفضها لتطبيق الشرط في المطلق، ورأت تطبيقه على مهن معينة مثل الخدم والمربيات في البيوت، ولا سيما أن هؤلاء يكون لهم احتكاك بالأطفال والشباب داخل المنزل.
الهنود متدينون
في المقابل قلل الخبير الإسلامي الهندي د.شاه الحميد من المخاوف بشأن حكم المحكمة، وقال في تصريحات لـ"إسلام أون لاين.نت": "هذا القرار ساري المفعول في الهند فقط، والهنود الذين يعملون في دول الخليج يعرفون أن عليهم اتباع قوانين الدول التي يقيمون فيها.
كما أوضح الحميد أن القرار يحظى داخل الهند نفسها بقابلية محدودة للتطبيق؛ لأن الدين والمجتمع لا يقبل الشذوذ، ومعظم الناس هناك متدينون -مسلمين أو غير مسلمين- ويقدسون القيم الأسرية، مشيرا إلى أن التأثير المتزايد للغرب الفاسد والذي أثر على المحكمة الهندية لتبني هذا الأمر لا يعتبر مبررا لأي قلق في منطقة الخليج.
ودلل على هذا بأن معظم الهنود في قطر يتبعون الأديان وبشكل كبير، ويتأثرون بتعلميات دياناتهم، وهذا الأمر يدفعهم لتبني وجهات نظر داعمة لقيم الأسرة والأخلاق الفردية إلى حد بعيد، منبها أن الشذوذ يعتبر ضلالا وانحرافا عن مفهوم الجنس الطبيعي، وهذا ما يعتقده الهنود عامة.
وبين الحميد أن كل الدراسات تؤكد أن الشذوذ ليس ظاهرة منتشرة في الهند، وأنه موجود بين طبقات من سكان المدن الكبيرة مثل مومباي ودلهي وكلكوتا، لكن معظم الهنود هم أهل الريف وهم محافظون جدا، وهم بشكل عام لا يناقشون قضايا الجنس علنا سواء كان شذوذا أو جنسا.
واقترح د. شاه على دول الخليج بدلا من ربط الشذوذ باستقدام العمالة اتباع عدد من الإجراءات من شأنها عدم دفع الهنود أو غيرهم إلى الشذوذ أو الانحراف، من بينها الموافقة على استقدام الأجانب لأسرهم، وعدم إبقاء العمالة فترة طويلة داخل البلد دون السماح لهم بإجازات، وحرمانهم من الذهاب إلى بلادهم وبيوتهم لزيارة شركاء حياتهم.
وتقدر العمالة الهندية في دول الخليج بنحو 5 ملايين عامل يشكلون نحو 38% من إجمالي الأجانب العاملين بها، وقرابة 15% من العدد الإجمالي لسكان الخليج الذي يبلغ نحو 36 مليون نسمة.