شباب غــزة: أمـي.. سـأتزوج أرمـلة شهيـد

اتكأ "عادل" على سريره محاولا ترتيب أفكاره المبعثرة وإعادة صياغة الكلمات العاصفة في ذهنه التي سيواجه بها زوجته.. فمنذ أيامٍ لم يغمض له جفنٌ ولم يصح على نورٍ يضيء عينيه.. فتفجير قنبلة "الارتباط بأرملة شهيد" كفيلة بكسر سنوات حبٍ أزهرت منذ أعوام، وبسحب رصيد الفرح والدفء من قلبها.



والحيرة تسكن وجهه اعترف عادل لـ"إسلام أون لاين": لم أجرؤ يوما على التفكير بالتعدد والزواج بأخرى تحت أي ظرفٍ كان.. ولكن بعد الحرب وما خلفته وراءها من شهداء وعدد هائل من الأرامل أصبحت هذه الفكرة تراودني وبشدة.. وكأن مسئولية قد ألقيت على عاتقي فأثقلت كاهلي وجعلتني لا أستطيع التخلي عنها بسهولة.


طالع ملف "الأرامل.. عودة للحياة"
يصمت برهة ويستدرك حديثه: منذ أيام أحاول جمع شتات نفسي لأبوح لزوجتي بهذا السر، أحاول إقناعها كي يلين قلبها لتنال عظيم الثواب بالموافقة على زواجي بأرملة شهيد، وتربية أيتامها الذين هم بحاجة لمن يرعاهم ويشد على أيديهم لمواجهة الحياة.. وكلي أمل أن تكون رفيقتي وسندي وتمنحني القوة لتنفيذ ذلك.

وإذا كان عادل يحاول استمالة زوجته لتقبل الأمر.. فهناك آلاف الشباب في قطاع غزة يخوضون تجربة إقناع ذويهم للاقتران بأرامل الشهداء الذين زاد عددهم بعد الحرب الإسرائيلية الشرسة على القطاع.

حقهن في الحياة

بدأت بعض هذه المحاولات ترى النور بعد عقد حافل لزفاف جماعي لثلاثة وثلاثين عريسا تزوجوا من أرامل الشهداء.

ويأتي حفل الزفاف كمرحلة أولى ضمن مشروع تزويج أرامل الشهداء والذي أطلقته الهيئة الأهلية لرعاية الأسرة، وستتبعها مرحلة ثانية تضم تزويج 67 عريسا وعروسة لتستكمل زواج المائة الأوائل، وتمنحهم 2800 دولار أمريكي لمساعدتهم على تكاليف الزواج.

أكد عصام عدوان رئيس مجلس إدارة الهيئة الأهلية في كلمة له خلال الحفل أن هذا هو المشروع الثالث الذي تنفذه الهيئة خلال العامين الأخيرين، إسهاما منها في إعادة الاعتبار لهذه الفئة المهشمة في المجتمع.

وبين عصام أن فكرة هذا المشروع جاءت لتشجيع الشباب على الزواج من أرامل الشهداء اللواتي تزايد عددهن بشكل كبير بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة؛ موضحا أن هذا الحفل هو المرحلة الأولى من مشروع تبنته الهيئة وستنفذه خلال الأسابيع القادمة لتزويج 100 عريس.

واستدرك قائلا: "المشروع جاء من باب مراعاة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وكذلك غلاء المهور وتكاليف الزواج، وسقوط أعداد كبيرة من الشهداء خلال السنوات القليلة الماضية".

الشاب عبد القادر حميدة 24 ربيعا لم يُفكر يوما بالارتباط بأرملة أو سبق لها الزواج أو حتى الخطبة، ووضع معايير ومواصفات محددة لفتاة أحلامه لا يمكن تجاوزها تحت أي ظرف، وبدأ يحلم ويرسم في مخيلته بيته الهادئ وعروسه الدافئة وجاءت الحرب وانقلبت موازينه ومخططاته.

بصوتٍ هادئ يقول: "قبل عدة أشهر كنت أُحدث أمي عن مواصفات شريكة حياتي ووضعت لها شروطا لا تتعداها وخطوطا حمراء لا تقفز عنها، واستدرك قائلا: كان أولها وأهمها ألا تكون قد ارتبطت بغيري أو حتى خُطبت ليوم واحد.. أريد أن أكون الرجل الأول في حياتها بدون منازع".

لمن سنتركهن؟!

ويعود بذاكرته للوراء قليلا: ومرت شهور على هذا الحديث، وفي أحد الأيام كُنت في جلسة سمر مع أصدقائي وكان من بينهم صديق مُطلق حاولنا إقناعه بالاقتران بزوجة شهيد ولكنه رفض رفضا قاطعا.. وقلت له على سبيل التشجيع والمُزاح إنني سأذهب معه وسنسجل معا في الجمعية ووافق على ذلك.

ويمضي قائلا: "في اليوم المحدد ذهبنا للجمعية وعندما وصلنا عتباتها رفض الدخول وتركني وذهب.. وقفت على الباب أفكر مليّا بالموضوع لماذا لا أتزوج بأرملة؟؟ لمن سنترك مئات الفتيات وعظيم الثواب.. وعزمت على الدخول وسجلت اسمي".
والفرح يغمر صوته تابع: "وبالفعل كافئني الله على حُسن اختياري ورزقني بفتاة أحلامي وكما كنت أتمناها ولكنها أرملة استشهد زوجها بعد 5 أشهر من زفافهما ولم يرزقهما الله بأطفال".

وعن ردة فعل عائلته من قراره واختياره قال: "في البداية رفضت أمي الموضوع رفضا مطلقا، ولكن عندما أقنعتها وحدثتها عن الأجر العظيم وكيف سيرزقني ويوفقني الله في حياتي.. ولما شعرت أني لن أتراجع عن قراري قبلت الأمر ورحبت به".

هذه قضيتنا

سيد عبد العال هو الآخر تزوج بأرملة شهيد، ولكن المفارقة أن لديها أربعة صغار وتكبره بثلاثة أعوام، وهو الأعزب الذي لم يتجاوز العام الحادي والعشرين.

يقول سيد: "بعد أن استشهد أخي تاركا خلفه زوجة في مقتبل العمر وأربعة صغار أصبحت أفكر بهم.. ما مصيرهم؟ وكيف سيخوضون معركة الحياة وحدهم بدون رفيقٍ أو سند؟ ومن سيعولهم؟ هذه الاستفهامات وغيرها احتلت عقلي وسيطرت عليه ولم أجد حلا سوى الزواج بها".
وبحروفٍ واثقة تابع حديثه لـ"إسلام أون لاين" قائلا: "نعم سأتزوجها وسأكون نعم الأب والصديق لأولاد أخي.. سنواجه الحياة معا وبخطى واثقة ولن أتركهم في مستنقع الضياع".

وعن مدى قبول أهله للفكـرة أجاب: "لقد حظيت بتشجيع كبير عندما طرحت عليهم الفكرة التي راودتهم كثيرا ولم يجرئوا على فتح الموضوع معي معتقدين أني سأرفضه".. ويستدرك: "أنا لم أتزوجها شفقة أو عطفا، بل من باب الواجب والمسئولية، فهذه قضيتنا وسأكون عند ثقة الله بي وسيوفقني في الدنيا والآخرة ويرزقني برزقهم".

ووجه عبد العال نداء لكل شباب غزة بأن يعيدوا التفكير بشأن أرامل الشهداء وصغارهم الأيتام، وألا ينظروا لهذه الشريحة من المجتمع نظرة سلبية، ودعاهم إلى انتشـالهم من بحر الضيـاع والسير بهم نحـو شاطئ الأمان ورفع الأشواك من دروبهم وإعادة الفرحة لقلوبهم
المكسورة.