خطبة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي أوردها في آخر جمعة من شهر شعبان المعظم وبمناسبة قرب حلول شهر رمضان المبارك، تلك الخطبة التي يذكر فيها أرفع المعاني الانسانية النبيلة بأجمل الألفاظ وأسمى العبارات وفي أحسن أسلوب، ذلك هو أسلوب النبوة وبلاغة الرسالة.. نسأل المولى تعالى ان يوفقنا لاتباعه (صلى الله عليه وآله وسلم) قولاً وفعلاً، والله الموفق والمستعان.
وهذا نص خطبة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حول شهر رمضان المبارك: عن الرضا عن آبائه عن علي (عليهم السلام): (ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خطبنا ذات يوم (في آخر جمعة من شهر شعبان)(1) فقال:
أيها الناس انه قد أقبل اليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة [1]، شهر هو عند الله أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات[2] هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله[3]، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاءكم فيه مستجاب[4].
فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة[5] ان يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه، فان الشقي كل الشقي[6] من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم، واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه، وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقروا كباركم وارحموا صغاركم وصلوا أرحامكم[7] واحفظوا السنتكم وغضوا عما لا يحل النظر إليه أبصاركم وعما لا يحل الاستماع إليه أسماعكم[8]، وتحننوا على أيتام الناس يتحنن على ايتامكم[9].
وتوبوا إلى الله من ذنوبكم وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء[10]، في أوقات صلاتكم فانها أفضل الساعات ينظر الله فيها إلى عباده بعين الرحمة، يجيبهم إذا ناجوه ويلبيهم إذا نادوه ويعطيهم إذا سألوه ويستجيب لهم إذا دعوه[11]، أيها الناس، ان أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكوها باستغفاركم[12]، وظهوركم ثقيلة من أوزاركم، فخففوا عنها بطول سجودكم، واعملوا ان الله أقسم بعزته ان لا يعذب المصلين والساجدين وان لا يروعهم بالنار يوم يقوم الناس لرب العالمين، أيها الناس، من فطر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة ومغفرة لما مضى من ذنوبه[13].
فقيل: يا رسول الله وليس كلنا يقدر على ذلك فقال [صلى الله عليه وآله وسلم] : اتقوا الله ولو بشربة من ماء، واتقوا النار ولو بشق تمرة.
أيها الناس: من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الأقدام، ومن خفف فيه عما ملكت يمينه[14] خفف الله عليه حسابه، ومن كف فيه شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه، ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه، ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه، ومن تطوع بصلاة كتب الله له براءة من النار، ومن أدى فيه فرضاً كان له ثواب من أدى سبعين فريضة في ما سواه من الشهور، ومن أكثر فيه من الصلاة عليّ ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين، ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور.
أيها الناس، ان أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة فاسألوا ربكم ان لا يغلقها عليكم، وأبواب النيران مغلقة فاسألوا الله ان لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة[15]، فاسألوا ربكم ان لا يسلطها عليكم.
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فقمت فقلت: يا رسول الله ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فقال: يا ابا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله[16]، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) : ثم بكى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقلت: ما يبكيك، فقال: أبكي لما يستحل منك في هذا الشهر، كأني بك وأنت تصلي لربك وقد اتبعك أشقى الآخرين يتبع أشقى الأولين، شقيق عاقر ناقة ثمود[17]، فضربك ضربة على قرنك فخضب منها لحيتك فقلت: يا رسول الله وذلك في سلامة من ديني[18]؟ فقال: نعم في سلامة من دينك.
ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا علي أنت مني كنفسي، حربك حربي وسلمك سلمي، من أحبك فقد أحبني من جفاك فقد جفاني)(2).