أحياناً أجدني في خزانة أمي مختبئاً ، أسفل الخزانة ، خلف الملابس ، مغمض العينين
أنتظر أن يـُفتح باب الخزانة ، دون أن أتوقع من سيكون ؟ فأنـا لا أتقن فن التوقع ..
سجين
- يا عــم أمين ، قد جلبت لك الأغراض اليومية ككل صباح ، ووضعتها لك على عتبة الباب .
ثم إن الصبي انصرف ..
مشهد نهاري داخلي
السـاعة التاسعة صباحا
ً
تناول الجريدة في هدوء ٍ وقفل راجعاً إلى غرفته ، بينمـا القى تلك الأغراض على عتبة المنزل .
مستنداً بكتفه إلى الحائط ، شرع يقلب صفحات الجريدة ، ليس لشيء ، لكنها مجرد عادة ، ومن عادته أن يلتزم بالعادات ..!
يحافظ على طول ذقنه منذ سنوات ، دون أن يفكر - مثلاً - ماذا سيحدث لو طالت بضع ( سنتتيمترات ) ؟!
تطالعه جمادات غرفته في يأس ٍ ، وتحن إلى معانقة أشعة الشمس بعد طول غياب .
لم يتغير شيء في هذا المكان ، باستثناء شريط أسود وضع على إطار صورة ٍ ، لسيدة ٍ خمسينية ، خطت خطواتها الأخيرة هنا ، على هذه السجادة الوردية قبل عام ٍ ونيف .
الصمت يحتل ذرات غرفته ، يقطع سباته سعلة ٌ طويلة ٌ منهكة ٌ ، فتذكره بعلبة الدواء ، التي كانت تحضرها لـه كل مسـاء .
مــاداً يده إلى إلى صندوق ٍأحمر ، تناول العلبة في امتعاض ٍ ، عبرت عنه قسمات وجهه الخمسيني .
هو يمقت إحكام إغلاقها ، ويصر على أن المشكلة في الغطاء وليست في ارتعاشة أصابعه الدائمه .
تنـاول حبتين ، وكعادته أعاد إحكام إغلاقها بشدة ..!
على سريره ، ألقى الجريدة في سخط ٍ جلي ، وتمتم بعبارات آخرها ( نظارة ) ، وخطى خارج غرفته خطوتين ، ثم إنه توقف .
كان صوت جاره ِخلف باب بيته يحاور أحدهم ، ويصر بأن الجار موصى عليه من النبي المختار ، وبأنه حاول المساعدة دون جدوى ، وفشــل ..!
بيد أن كلماته لم تكن واضحة ً تماماً ، فالمسـافة كانت أبعد من سمعه الثقيل .
لوهلة ٍ إعتقد أنه سمع صوتاً يعرفه جيداً ، يشكر هذا الجار برقة ٍ ، فارتعش .
بخطوات ٍ حائرة ٍ مشى صوب الباب ، وصوب الصوت ِ ، فاختلطت حقيقة مشاعره في صدره المتعب ، والصوت يزداد وضوحاً ، ويحمل بين ثناياه رغبة ً وأملا ً بعد طول يأس .
وقف قبالة الباب في وجل ، يحملق في مقبض الباب ، ينشده التحرك ، شعر بعدها بحرقة ٍ تستوطن جفنيه ، وتكاد تندي مقلتيه من شدة الشوق لصاحبة الصوت ِ .
باب سجنه لا زال مغلقاً ، وصبره يرنو إلى يدٍ تفتحه ، ومقبض الباب يدور في فلكه ، فيرى كوكب عمره يتجسد أمام عينيه ، باسم الثغر ، باكي العين .
هي لا زالت في عينه طفلته المدللـه ، فكت ذات غفلة ٍ منه ظفائرها السوداء ، وزينت شعرها بخصلة ٍ شقراء ، كأمهــا ، وتعلمت المشي بصندل عــال .
ألقت حقائبها على عتبة المنزل ، فوق الأغراض ، وتسابقت خطاها مع الزمان إلى حضنه الدافيء .
منقول