في نشر فيروس العنف.. الإعلام مدان

"نعم نمارس العنف بمختلف أشكاله على زوجاتنا".. جاء هذا الاعتراف، الذي سجلته دراسة حديثة، على لسان 78% من الأزواج في عينتها، بينما أكدت 63% من الزوجات تعرضهن لأحد أشكال العنف على أيدي أزواجهن.

ففي دراسة حملت عنوان "العنف ضد المرأة – مايو 2009" رصد المجلس القومي للمرأة حجم العنف وأشكاله الذي تتعرض له النساء في مصر، سواء المتزوجات من قبل أزواجهن أو العازبات من قبل ذويهن (الأخ أو الأب)، لتشمل 2320 امرأة و2088 رجلا من خمس محافظات في مختلف أنحاء مصر.

الصحافة.. المتهم الأول


طالع أيضاً:
القتل لأتفه الأسباب.. فيروس يهدد المصريين
خلصت الدراسة إلى أن الخطاب الصحفي ساهم في توجيه عنف معنوي ضد المرأة من خلال التهوين من شأنها عبر الرسوم الكاريكاتيرية، أو من خلال إلصاق بعض أشكال العنف بها، وهو ما ظهر في نماذج العناوين المنشورة في الصحف التي تعرضت لها الدراسة مثل "المرشح المستقل يستعين بردح الحريم"، "فشل المرأة في الانتخابات له تاريخ!"، "كيف تكون المرأة مأذونة؟!".

وتعرضت الدراسة -التي جاءت في إطار ندوة "دور الإعلام في مناهضة العنف" التي أعدتها الهيئة الإنجيلية للخدمات الاجتماعية- إلى حجم المعالجة التي قدمها الإعلام بمختلف أشكاله للعنف الموجه ضد المرأة في المجتمع المصري، سواء كان عنفا مجتمعيًّا أو أسريًّا؛ فعلى صفحات الجرائد وصل حجم المعالجة إلى 67% للعنف المجتمعي و33% للأسري، بينما تراوحت في الإذاعة والتليفزيون بين 56 - 58% للنوع الأول و41 - 44% للنوع الثاني.

عنف الحرمان

وشارك الصحفي هاني لبيب في اتهام الصحافة بتكريسها ليس فقط للعنف ضد المرأة وإنما لكل أشكال العنف في العناوين المنشورة على صفحات الجرائد؛ فمنها ما اعتمد مبدأ إطلاق الأحكام وتعميمها مثل "عمالة الجمعيات الأهلية للغرب"، "بيع بناتنا لشيوخ النفط"، "أقباط المهجر خونة"، ومنها ما كرس للتمييز تجاه فئة بعينها مثل "مقتل بدوي"، "النوبيون يلجئون للأمم المتحدة"، وكلها عناوين تعتمد لغة العنف المباشر التي تحفز القارئ في اتجاه معين، وتكون لديه صورة سلبية تجاه ما يقرأه.

حاولت الندوة في جلساتها الخروج بمفهوم العنف من إطار رصد أشكاله فقط إلى وضع تفسير لأسبابه؛ من خلال المفهوم الذي طرحه الدكتور سمير نعيم -أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس- في مداخلته باسم العنف البنائي الذي عرفته أدبيات علم الاجتماع بأنه تلك الممارسات المنتظمة والمؤسسية داخل البناء الاجتماعي، والتي تؤدي في النهاية للموت البطيء لأناسٍ نظرا لحرمانهم من حقوقهم الأساسية.

وشرح "نعيم" معنى العنف البنائي بأنه يأخذ كلا من الشكل الرسمي القانوني والشكل العرفي الذي تكرسه العادات والتقاليد، ويتضمن كل ما يقع من ممارسات من دولة على أخرى، أو من الدولة على مواطنيها، أو من أفراد ضد أفراد، أو جماعات ضد أخرى داخل البلد الواحد.

وعن دور الإعلام في توضيحه لمفهوم العنف من خلال المعالجات التي يقدمها، أكد سمير نعيم أن الإعلام شارك بشكل غير مباشر في التزييف المتعمد للمفهوم الذي يحوله من رد فعل إلى فعل، فبدلاً من أن يعالج أحداث العنف من منطلق قصور دور الأنظمة والمؤسسات الاجتماعية داخل الدولة في إشباع احتياجات الأفراد وضمان حقوقهم، ركز على الأحداث الفردية للعنف وسلوك الأفراد العنيف بمختلف أشكاله.

وإلى جانب اتهام الصحافة أضاف أن الإعلام المرئي كذلك متهم بشكل كبير بالتكريس للعنف؛ خاصة عبر الفضائيات وما تعرضه من كم هائل من الأفلام الأمريكية بثقافتها الغربية ووجبات العنف المكثفة بها، وحتى أفلام الكارتون المقدمة للأطفال بمختلف أعمارهم تمتلئ بمشاهد الضرب والحروب والمعارك والسيوف اليابانية والمسدسات لتكرس في نفوسهم مبدأ الاقتتال.

يا عزيزي كلنا مقهورون

وعن كيفية مواجهة العنف شرح سمير نعيم أن العنف هو سلسلة مترابطة؛ فالدولة في العالم الثالث التي تعاني من قهر الدول العظمى يقهر فيها النظام الحاكم محكوميه، وبالتالي فرئيس العمل يقهر مرءوسيه، ليعود الموظف لمنزله ليمارس العنف ضد زوجته التي تفرغه بدورها في أبنائها، ويخرج الطفل من المنزل ليمارس نفس السلوك ضد أقرانه، ولفك هذه السلسلة لابد من مواجهة العنف على مختلف مستوياته بما فيها العنف الإعلامي.

ولمواجهة العنف الإعلامي وتفعيل دور الإعلام كمناهض للعنف؛ عرض المشاركون عدة آليات كان أهمها تعريف المواطن بقوانين بلده وكيف يمكنه المطالبة بحقوقه، نشر ثقافة التسامح وقبول الآخر، تسليط الضوء على الأمراض الاجتماعية المكرسة لأشكال العنف، إبراز الشخصيات والنماذج الناجحة في المجتمع، كما انتقدوا تخصيص جرائد أو مجلات أو برامج كاملة لعرض حوادث العنف بتفاصيلها التي تجسد الحدث للقارئ.

وفي هذا الإطار أكدت الكاتبة أمينة شفيق على أن دور الإعلام الأساسي هو إدارة حوار مجتمعي لمناقشة قضايا العنف، موضحة أن تحقيق ذلك يتم من خلال تدريب الإعلاميين على كيفية التعامل مع قضايا حقوق الإنسان وتعريفهم بهذه الحقوق، وضرورة الموازنة في المعالجة الإعلامية بين عرض أحداث العنف ودعم ثقافة السلام المجتمعي.