"أعيش في فلسطين منذ ثلاث سنوات، وأحببت أن أتعرف على الشعب الفلسطيني وعلى الثقافة الفلسطينية، لهذا توجهت إلى المركز الثقافي الفرنسي في القدس، وحصلت على كتب مترجمة للكاتب شريف كناعنة، ومنها كتاب (قول يا طير) الذي اخترت منه قصة (أبو علي وأم علي) التي جسدتها في هذا المعرض الفني".
هكذا لخصت الفنانة التشكيلية البلجيكية "فيرونيك فان إيتفيلدي" فكرة معرضها الفني الذي تم افتتاحه في مدينة رام الله الفلسطينية مؤخرا، والذي نظمه المركز الثقافي الألماني الفرنسي.
قصة خرافية فلسطينية
وأوضحت الفنانة إيتفيلدي أنها استوحت فكرة هذه اللوحات ومضمونها من قصة خرافية فلسطينية جمعها الكاتب كناعنة من إحدى السيدات في قرية فلسطينية في الجليل أواخر سبعينيات القرن الماضي، وتدور القصة حول عائلة عربية مسلمة فقيرة يؤمن أفرادها بالقضاء والقدر، ويعملون بجد واجتهاد للحصول على قوت يومهم.
وتؤكد أن قصة "أبو علي وأم علي" أعجبتها كثيرا؛ فهي مليئة بالتفاؤل والضحك والملامح الفكاهية، وهي مُعبرة، وذات مضامين رائعة، إضافة إلى وجود نقاط مشتركة بينها وبين قصص وحكايات بلجيكية؛ الأمر الذي جعلها تُقبل عليها وتجسدها في المعرض.
ولا تُخفي الفنانة البلجيكية حبها للشعب الفلسطيني وتعاطفها معه، مشيرة إلى أن هذا العمل يأتي في محاولة منها لإنقاذ التراث الفلسطيني من الاندثار وحفظه من النسيان، ومحاولة منها لإبقائه على قيد الحياة، مبدية خشيتها من انقراضه بسبب الظروف الصعبة التي يمر بها الفلسطينيون بسبب الاحتلال، وتسعى من وراء رسم هذه اللوحات أيضا للتعريف بالثقافة الفلسطينية التي يجهلها الكثير من الغرب، الذين لا تنقل لهم وسائل الإعلام سوى الأخبار السياسية.
"العيش والملح"
الفنانة البلجيكية إيتفيلدي
وقالت إنها عاشت عند عائلة فلسطينية في مخيم شعفاط قرب القدس المحتلة، وشعرت بمدى اللطف والإنسانية والطيبة وحسن المعاملة التي تُميّز الفلسطينيين، وشعرت كذلك أنها فرد من هذه العائلة التي تعاملت معها بعواطف حارة وجياشة، وبذات إنسانية متميزة، بصورة وطدت علاقتها مع الفلسطينيين، الذين وصفتهم بالودودين الذين يحافظون على "العيش والملح"، وتمنّت من الشعب الفلسطيني أن يقرأ قصصه جيدا، وأن يحافظ على تراثه الغني والكبير، المليء بالقصص والحكايات المميزة.
ووعدت أن تنقل معرضها معها إلى أوروبا بعد اختتامه في رام الله للمساعدة في تقديم صورة عن حياة الشعب الفلسطيني الذي أحبته كثيرا -كما تقول- خلال فترة وجودها في فلسطين التي استمرت ثلاث سنوات برفقة زوجها الدبلوماسي البلجيكي في القنصلية البلجيكية بالقدس.
القصة ملموسة وواقعية
من جانبه، قال الكاتب كناعنة الثمانيني الذي يعمل بطاقة الشباب: "إن نمط العائلة التي رسمتها الفنانة البلجيكية هو النمط الذي يظهر في القصص الشعبية الفلسطينية، حيث الزوج رجل بسيط (على البركة)، وقريب من درجة (الهبل)، والزوجة قوية تتحكم بسلوك زوجها من وراء الكوليس".
ويشير كناعنة إلى أن شخصية الزوج البسيطة تشبه شخصية جحا، وهي الشخصية التي يُشار لها بشخصية "الأهبل الحكيم"، والتي يمثّلها أبو علي في الحكاية، ويؤكد كناعنة أن كل من يقرأ القصة يتخيل شخوصها بطريقته الخاصة حسب بيئته وتجاربه وثقافته.
المعرض اجتذب الزوار
وقدم كناعنة خلال افتتاح المعرض تلخيصا لقصة (أبو علي وأم علي) التي يرمز فيها اسم أبو علي إلى الرجل الذي يظهر أنه "فتوة" أمام الناس، ولكنه في حقيقة الأمر رجل بسيط محكوم لزوجته، ولم يخفِ الناشط الفلسطيني الأكبر في مجال التراث سروره قائلا: "هذه الرسومات تجعل القصة ملموسة وواقعية أكثر، وأنا سعيد أن تقوم فنانة أوروبية بعمل رسومات عن قصة من الحكايات الشعبية الفلسطينية".
"فيليب غي بولوني"، مدير المركز الثقافي الألماني الفرنسي، أشار هو أيضا إلى أن فكرة الموضوع جميلة جدا؛ كونها عن فلسطين، مضيفا أنه يوجد العديد من الأفكار التي يمكن أن يهتم الشخص بها عن فلسطين، وأن يجسدها أو يرويها.
وضم المعرض مجموعة من اللوحات الفنية الأخرى التي تتحدث عن مختلف جوانب الحياة الفلسطينية.
يذكر أن كتاب "قول يا طير" للكاتب كناعنة يضم قصصا وحكايات تراثية كُتبت باللهجة العامية الفلسطينية، وقد أثارت جدلا كبيرا حول جرأتها وصراحتها حين منعت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية وجوده في المكتبات المدرسية.