“المشلح” ماركة أحسائية مسجلة تجاوزت براعتها الحدود

في سياق الحضارة الإنسانية تبرز الملابس بوصفها أحد أهم العناصر المميزة والمحددة لمجموعة إثنية دون الأخرى، بل إن الملابس بأنماطها المتعددة أصبحت لازمة للتفريق بين بلدان العالم المختلفة، وصار من اليسير على تجنيس أو إحالة أي شخص ونسبته إلى موطنه الأساسي من طريقة ملبسه فقط، إن لم يكن بالتحديد القاطع، فلا أقل من التقريب الذي يمسّ الحقيقة أو يتطابق معها، وما ذلك إلا لأن الثياب وطريقة حياكتها ووضعها على الجسم أصبحت كالجينات المتوارثة تنتقل مع الأجيال، التي تحفظ عليها في إطار محافظتها على هويتها وجوهرها الحضاري.. على أن الحياة العصرية ألزمت بعض البيئات والمجموعات البشرية على التخلي عن نمطها المتوارث في الملابس والثياب، غير أنها غالبًا ما تعود إليه في مناسباتها ذات الطابع القومي، بما يؤكد انتماءها إلى البقعة الجغرافية والمجموعة البشرية التي هو جزء أصيل منها..
البشت الحساوي:
وعرفت في السعودية قصة صناعة البشوت وحياكتها منذ قرون عن طريق أهالي الأحساء، الذين أجادوا هذه الحرفة، والذي أطلق عليه اسم “البشت الحساوي” مستمدين هذا الاسم من صناعة الأحسائيين له..
وكان المشلح يصنع قديمًا بطريقة يدوية محترفة، ويستغرق صانعوه ما بين 10 إلى 15 يومًا للمشلح الواحد، بيد أن الآلة النسيجية الحديثة مع تطور التكنولوجيا دخلت في صناعته، لتختصر مدة صناعة البشت الواحد إلى عشرات البشوت يوميًّا، تختلف حسب نوعية وطلبات الزبائن، غير أنه ما زال كثير من الشخصيات المعروفة تفضّل صناعته يدويًّا، بأنامل تجيد وتخبر حرفيته الدقيقة، والتي تتحدى الآلة الحديثة في رسم ووقز وتطريز البشوت بصورة أكثر جمالية وجودة عالية.
سيرة المشالح:
المؤرخ والأديب الشيخ جواد بن حسين بن محمد الرمضان كان أحد الذين ينسجون المشالح في محافظة الأحساء.. وقتما كانت تحاك عند أصحاب مهنة الحياكة المعروفين وأصحاب الشهرة بالمحافظة.. وها هو الآن في العقد الثامن من عمره تقريبًا، ولا زالت ذاكرته تختزن قصة المشالح وطريقة حياكتها.. حيث استهل حديثه عنها قائلاً:
الأحسائيون نشروا ثقافة خياطة ولبس المشالح في إيران والعراق وسوريا ولبنان.. ففي أبوشهر كانت هناك أسرة تُسمّى آل مذكر، وهي من الأحساء تمتهن خياطة وتطريز المشالح التي كانت موجودة؛ ولكن ليس بنفس الشكل الذي هي عليه الآن؛ فلم تكن مطرزة أيضًا.. كذلك هناك في دير الزور بسوريا وفي لبنان والعراق أسر لا زال بعضها موجودا يمتهن خياطة وتطريز المشالح، ومنها على سبيل المثال لا الحصر آل بقشي، وآل قطّان، وآل الرمضان، وآل الحمد، وغيرهم من الأسر الكريمة.. وكذلك أسر أحسائية موجوده في كل من الكويت والبحرين والإمارات وقطر وعمان تمتهن خياطة المشالح الأحسائية الشهيرة التي يقبل عليها الناس.. فحتى الأطفال لهم مشالحهم أيضًا.
ويفصّل الشيخ الرمضان طريقة وكيفية انتشار المشالح في سوريا بقوله: اشترك رجل من الأحساء وهو الحاج عبد الله بن إبراهيم بوحليقة مع أحد السوريين في إقامة مصنع النسيج في دمشق، واجتمعت في دمشق في ذلك الوقت أكثر من 40 أسرة من الأحساء أغلبها تمتهن حرفة خياطة المشالح، وبذلك انتشرت مهنة خياطة المشالح في سوريا عن طريق الأحسائيين.
أنواع البشوت:
ويمضي الرمضان في حديثه: هذه المشالح الحسائية تعتبر الأجود صناعة، والأغلى ثمنًا، وهي ذات أنواع منها البدري، والملكي، والمرينة، والنجفي، وأسماء عديدة..فالأحسائيون نشروا ثقافة المشالح في تلك الدول التي أشرت إليها، حتى أصبحت شعارًا ولباسًا رسميًّا للحكام والوزراء والمشايخ والوجهاء، وفي المناسبات.
وتتراوح أسعارها ما بين الألف إلى أكثر من عشرة آلاف ريال حسب جودة الخياطه ونوع التطريز ونوع القصب المسمى الزري، فهناك الأصلي الذي لا يتغير لونه الذهبي أو الفضي، وهنا ما يتغير لونه إذا تعرض للماء أو الرطوبة أو حتى أشعة الشمس.
مراحل الخياطة:
وعن مراحل خياطة المشلح يضيف الرمضان بقوله: تمر خياطة المشلح بعدة مراحل هي: تركيب الهيلة، وتركيب الثاني، تأتي بعدها السلسلة، أي السميط، والبروج والكرمك والمكسر، وتركيب القيطان، وأخيرًا البردخة والتلميع وخبانة المشلح. ويمكن أن يقوم بكافة هذه المراحل شخص واحد، وأحيانًا ينجز العمل أكثر من سبعة أشخاص تقريباً، ولكي لا يكون العمل مملاً ومتعبًا.