تمكنت الفضائيات التي تغلب عليها التوجهات السلفية في الآونة الأخيرة من استقطاب شرائح جماهيرية عريضة في العالمين العربي والإسلامي، وبرغم أن التوجهات السلفية في هذه الفضائيات لا ترتبط بالسلفية الحركية؛ فإنها استطاعت أخيرا أن تنشر الأفكار السلفية وتجعلها قريبة من المزاج الشعبي.
هذا الحضور المتنامي للتوجهات السلفية حمل في طياته مجموعة من التساؤلات، خاصة ما يتعلق بمزاحمتها للوجود الإخواني، وحديث البعض عن نجاح هذه التوجهات في اختراق البنية الإخوانية ذاتها والتوغل في أنسجتها، وإذا كان هذا الحضور السلفي يمثل خصما بالضرورة من رصيد الإخوان أم أنها في الحاصل النهائي تخدم مشروع الإخوان.
التقاطع الإيجابي
هناك سؤال يجب أن يطرح قبل حديثي هو: ما الهدف من إثارة هذه القضية؟ بدا في حديثه لنا متشككا من مغزى طرح السؤال عليه لكن د.عبد الرحمن البر -أستاذ الحديث بجامعة الأزهر والقيادي الإخواني المنتشر بقوة في سماء الفضائيات السلفية– يوضح مبررات لهذا التشكك فيقول: "يجب الإجابة عن هذا السؤال حتى لا تكون المسألة نوعا من الجدل واستدعاء الخصومة بين العاملين للإسلام"، ومع أن البر لم ينتظر حتى يحصل على إجابة عن سؤاله لكنه افترض "براءة الهدف من إثارة القضية الذي يتمثل في استكشاف مواقف فصائل الحركة الإسلامية لمحاولة تذويب الفوارق وتقريب وجهات النظر".
أول الأسئلة التي جعلت البر يتشكك ويطالب بالكشف عن الهدف من وراء طرحها كان التساؤل الذي طرحناه حول نظرة الإخوان إلى الفضائيات السلفية التي أخذت في الانتشار مؤخرا ونجحت في استقطاب جمهور في الشارع العربي والإسلامي، وهل أثرت هذه الفضائيات سلبا على المشروع الإخواني أم أنها تتقاطع معه إيجابا؟
البر أجاب بأنه لا يرى خطورة في انتشار الفضائيات السلفية بقدر ما يراها تشكل إضافة لا بأس بها لصالح المشروع الإسلامي بشكل عام.
د.عبد الرحمن البر. القيادي الإخواني و أستاذ الحديث بجامعة الأزهر
وقال: الإخوان لا يعتبرون أنفسهم في خصومة أو معركة مع أحد أو مع تيار يحمل راية الإسلام ويقدم فكرا إسلاميا، ولا يرون نجاح أي حركة أو فصيل إسلامي على أنه خصم من رصيدهم، بل يرون كل نجاح في هذا الصدد هو نجاح للمشروع الإسلامي الذي يتبناه الإخوان ويروجون له، حتى إن وقع اختلاف في وجهات النظر في بعض القضايا مع هذا التيار أو ذاك.
وبعد أن أبدى تفاؤله الشخصي لكل استقطاب إسلامي لجمهور الأمة واعتبره قوة ودعما للمشروع الإسلامي الذي يرى أن الأمة لا يمكنها أن تتبوأ مكانها اللائق بها بعيدا عنه، وصل البر إلى نتيجة لمعطياته السابقة مفادها أن الفضائيات "السلفية تتقاطع إيجابا مع المشروع الإخواني".
وحول ما يقال عن أن تلك التوجهات استطاعت أن تخترق النسيج الإخواني وأنها تعمل لهذا، رفض البر هذه الدعوى واعتبر بعض شواهدها حالات فردية لا تمثل تيارا سائدا داخل التركيبة السلفية بشكل.
واستنكر البر تصوير العلاقة بين الإخوان وبين أصحاب الفكر السلفي كما لو كانت تنافسا على اجتذاب الجماهير "فهذه علاقة يمكن تصورها بين أحزاب سياسية أو بين فرق رياضية، أما العاملون للإسلام فإن اختلاف وجهات النظر في بعض المسائل الفقهية أو تناول بعض القضايا العامة لا يعني القطيعة ولا يبعث على إفساد الود".
لعبة حكومية
ومع أن عبد الرحمن البر قيادي إخواني له ثقله وحضوره فإننا قمنا باستطلاع رأي مسئول اللجنة السياسية في الإخوان د. عصام العريان لنقف على حقيقة رؤية الجماعة لهذه القضية وما إذا كانت هناك توجهات مختلفة وتباينات داخل الجماعة إزاء هذه الإشكالية.
لم ير العريان في الانتشار السلفي جديدا وأرجع السبب في إحساس الناس بانتشاره إلى القنوات الفضائية التي قدمت الشيوخ المحسوبين على المدرسة السلفية التي تميل إلى التشدد في الآراء -كما يرى- وتميل إلى الأخذ برأي واحد، وعزا ندرة حضور الدعاة الإخوان في الفضائيات والمساجد إلى السياسات الحكومية التي تبعد الإخوان وتسمح للسلفيين.
ويضيف: طبقت هذه السياسة خاصة في منتصف التسعينيات وسمح للتيار السلفي الذي يتجاهل القضايا العامة والمشاكل التي يعاني منها الناس ولا يواجه الواقع، ولا يتدخل في العمل السياسي ويميل الكثير منها إلى التشدد.
مسئول اللجنة السياسية فى الإخوان د. عصام العريان
هذه السياسات الحكومية التي يراها العريان لأسباب مصلحية نظامية ممالئة للتوجهات السلفية قد تخدم النظام على المدى القصير -حسب قوله- ولكن على المدى الطويل سيكون لها آثار سيئة جدا فهي تشيع مناخا متشددا جدا في العلاقة بين المسلمين وبعضهم لا يحترم الخلافات الفقهية، ويشيع أيضا مناخًا من التشدد والتوتر تجاه غير المسلمين.
ويؤكد العريان أنه في داخل النظام من يجيد لعبة التوازنات أو يحاول أن يوظف كل الاتجاهات في صالح بقاء النظام وصالح عدم معارضته ولضرب التيارات بعضها ببعض.
وعن حقيقة التنافس في الشارع بين الإخوان والسلفيين أشار العريان إلى أن السلفيين يهتمون بالقضايا الجزئية الفرعية التي تحيطها الخلافات الفقهية والاهتمام بالتدين الظاهر، أما الإخوان فيهتمون بمسائل أوسع من ذلك بكثير وأكثر تنوعا، فالسلفيون لا ينافسون الإخوان سياسيا؛ لأنهم لا يشتغلون في السياسة، والإخوان لا يعتبرون أنفسهم مذهبا فقهيا يحارب المذاهب الأخرى.
في صالح الإخوان
ربما يجيد الإخوان الحصاد بعد أن يزرعه الآخرون لكن أحمد عز الدين الكاتب والصحفي الإخواني لم يفسر جملته هذه على هذا النحو بل فسرها على أساس أن هذه الفضائيات تأتي "لمواجهة "فضائيات الكليبات العارية التي لا هم لها إلا إثارة الغرائز التي يقف وراء دعمها جهات مالية كبيرة تنفق عليها الملايين".
ومع وجود هذه الإيجابية التي يراها عز الدين في الفضائيات السلفية فإنه أبدى قلقله من طغيان النزعة السلفية عند أفراد المجتمع عموما والإخوان خصوصا لأن السلفيين يركزون على "أمور الآخرة وينشغلون عن إصلاح الدنيا، لكن مهمة الإخوان هي إصلاح الدنيا والعمل للآخرة فلو تأثر بعض الإخوان بهذا المنهج فسيحدث خلل".
ويكمل عز الدين: "لو بدأت الأمور تمضي في هذا الاتجاه فقط وتم سحب رصيد الناس التي تدعو إلى إصلاح الدنيا هنا يكون موطن الخطر ليس على الإخوان، ولكن على الدولة الإسلامية نفسها".
طلبنا من عز الدين توضيح ذلك فقال: "الدولة الإسلامية تسير في اتجاهين: اتجاه إلى التدين بشكل عام واتجاه نحو الإخوان، فلو منع الاتجاه الأول يمكن أن يلجأ الناس إلى الاتجاه الثاني الإخوان، لكن هدف النظام أن يلجأ الناس إلى الاتجاه السلفي وليس الإخوان".
ويقر عز الدين بأن "هناك داخل الإخوان سلفيين، فالإخوان جماعة كبيرة متعددة المجتمعات والثقافات فنجد أن بينهم تنوعا فكريا كبيرا وهناك تيار يميل إلى السلفية، ولذلك قد نجد أن الفضائيات السلفية تلجأ إلى دعاة يعتبرهم الناس من الإخوان؛ لأن أصحاب هذه الفضائيات لا يجدون تعارضا في الفكر بينهم وبين هؤلاء الإخوان".
وعن التحليل الذي يذهب إلى أن النظام يسمح للسلفيين بالتمدد لمواجهة الإخوان والحد من انتشارهم يقول عز الدين: "لا أستطيع أن أتهم أحدا بذلك"، لكنه يترك ذلك للمشاهد لكي يحكم عليه، غير أنه يستدرك بالقول: "بالتأكيد هذه قنوات تنطلق من مصر وعلى قمر مصري بموافقات أمنية، وهذا أمر مفروغ منه، وأي قناة لها توجه إخواني ترفض هذه أمور كل إنسان يستطيع أن يفهمها".
خطاب انتقائي
عبد الجليل الشرنوبي مدير موقع الجماعة الرسمي على الإنترنت لا يعتقد أن للفضائيات السلفية تأثيرا سلبيا على الفكرة الإخوانية، فالإخوان يتعاملون مع جميع وسائل الإعلام وفيها وسائل الإعلام الرسمية، والسلفية والإخوان يعتبرون الفضائيات عوامل مساعدة لدعوتهم، لكن الدعوة الإخوانية تعتمد في وسائلها على فكرة الفرد القادر على التأثير في دوائره المجتمعية المختلفة؛ ولذا فهذه الفضائيات لم تخصم من رصيد الإخوان في الشارع.
لكن الشرنوبي يقر بأنه "قد يكون الإخوان تأثروا في جانب من الجوانب بصفه فردية كما هي الحال في التأثر بالفكرة السلفية، لكن في النهاية تبقى الفكرة الإخوانية فكرة أعم وأشمل من أن تتأثر بمؤثر واحد".
ويفسر الشرنوبي السماح للتيار السلفي بالتمدد في المجتمع على حساب الإخوان بأن "التيار السلفي أقل حدة في المواجهة للأنظمة؛ نظرا لأن مواقفه على المستوى العام ليس فيها أي نوع من أنواع المواجهة".
ويضيف: "الوجود السلفي أقل خطورة على الأنظمة؛ لأنه يعتمد على خطاب يركز على بعض المظاهر الدينية بالدرجة الأولى، ولا يركز على الفكرة بمجملها، وفي نفس الوقت هو خطاب انتقائي، بمعنى أنه يتم فيه فرز الخطاب الديني العام وتنقيته مما هو سياسي بحيث يكون في المجمل العام خطابا أخلاقيا أكثر منه أي شيء آخر".