بعد قتل سعودي شقيقتيه.. انتقادات لـ"الأمر بالمعروف"

ارتكبتا خطأ بخروجهما مع شابين ليسا بمحارم لهما.. لم تكونا تعلمان أن هذا الخطأ الذي طالما شاهدتا الفتيات يقمن به في كل الدول العربية سيتسبب في فضيحة لهما، بعد أن ألقت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر القبض عليهما، ودونت في محضرها أن التهمة "خلوة غير شرعية"، رغم صغر سنهما –15 و16 عاما- كانتا تسمعان كثيرا عن تلك التهمة من الصحف، لكن لم تكونا تعلمان يوما أنها ستوجه لهما.. وبعد كل هذا تأكدتا أنهما أخطأتا، وأقسمتا داخل نفسيهما أنهما لن تعودا إلى هذه الفعلة.. ستقبلان رأس الوالد وقدميه وتطلبان منه السماح بمجرد عودتهما للمنزل.. ستعلنان التوبة عن جريمة بحسب عرف المجتمع السعودي، كانت كل هذه الأمور تدور في رأسي الفتاتين وهما تخرجان من دار رعاية الفتيات بحي المربع بالرياض بصحبة والدهما، الذي ذهب لتسلمهما بعد أن ضبطتهما الهيئة في "خلوة غير شرعية" مع شابين.

ولكن فجأة توقفت فكرة الاعتذار داخل عقل إحداهما بعد أن اخترقته رصاصة استقرت مباشرة في رأسها، وقبل أن تفيق الأخرى مما جرى لشقيقتها، استقرت بجسدها 3 رصاصات هي الأخرى.. وقبل أن تفارقا الحياة تعلقت أعينهما بمن حرمهما من الاعتذار لأبيهما وإبداء الندم والتوبة، لم تكونا تتخيلان أن من حرمهما من ذلك هو شقيقهما، وقبل أن يهما بقول أي شيء كانت روحهما فاضت إلى بارئها.

فاضت روحهما، ولكن الدماء التي سالت منهما يوم الأحد 5 يوليو 2009 ما زالت تؤجج الحديث والنقاش والجدل داخل المجتمع السعودي حتى الآن، ما بين انتقادات لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لفضح الفتاتين بدلا من سترهما، وما بين تساؤلات حتى عن توصيف الجرم في حد ذاته، فهل كل لقاء في مكان عام أو خاص هو "خلوة غير شرعية"؟ وهل مجرد لقاء شباب -لا ارتكاب الزنا- يعد جريمة تستوجب القتل؟ وبين دعوات لمحاسبة الهيئة وعدم التهاون مع الأخ القاتل.

دماء على الإسفلت

آخر المستجدات في القضية، أعلنها الناطق الإعلامي في شرطة منطقة الرياض بالنيابة الرائد عبد الرحمن الجغيمان، موضحا أنه تم تصديق اعترافات الجاني قاتل شقيقتيه شرعا في المحكمة الشرعية، وأشار إلى أن جثتي الشقيقتين أودعتا ثلاجة الموتى في مجمع الملك سعود الطبي إلى حين انتهاء التحقيقات في القضية بحسب جريدة عكاظ.

وكانت الفتاتين قد تم إيداعهما دار رعاية الفتيات بالمربع منذ الخميس الماضي، وأخطر ذووهما بواقعة الضبط وطلب منهم استلامهما.

وأوضح بيان لشرطة الرياض أن مركز شرطة المربع أبلغ من حراسات مؤسسة رعاية الفتيات عن قيام شاب يبلغ من العمر 20 سنة بقتل شقيقتيه أثناء خروجهما من مؤسسة رعاية الفتيات بالرياض، وذلك بعد أن قام والدهما باستلامهما بموجب مذكرة إطلاق سراح من قبل هيئة التحقيق والادعاء العام والإذن لوالدهما باستلامهما.

وأفاد البيان أنه أثناء خروجهما من البوابة كان الجاني بانتظارهما، إذ لحق بوالده بسيارته، ليطلق على الأولى طلقة استقرت مباشرة في رأسها وأدت إلى وفاتها على الفور، فيما أصاب الأخرى بثلاثة أعيرة نارية أدت إلى مقتلها أيضا، ثم ألقى السلاح إلى جوارهما بعد أن قام أفراد حراسات مؤسسة رعاية الفتيات بالسيطرة عليه وضبطه والتحفظ عليه.

العفو ممكن

المحامي حاتم الغامدي أوضح لجريدة "المدينة" أن العقوبة المقدرة على الجاني في مثل هذه القضية هي القتل، إلا في حالة عفو أولياء الدم حيث لهم الأحقية بإسقاط حكم القتل وفي هذه الحالة يمكن أن يخفف الحكم إلى السجن.

وبين الغامدي أن الضوابط في تنفيذ الحق العام ترجع إلى القاضي وبعد ذلك تأتي الإمارة ويمكن للقاضي أن يحكم عليه بحد معين وللإمارة الحق بزيادة في الحكم.

وفي تعليق على الحادثة قال الباحث الاجتماعي بوزارة التربية والتعليم الدكتور إبراهيم العنزي أن هذه القضية تتمحور حول قضية الشرف، وحسب ثقافة مجتمعنا فإنه لا يجرم فاعل الجريمة لأنها تعتبر ردة فعل لقيمة الشرف خاصة أن غالبية مجتمعنا لم تخترق ثقافته التغيرات الدينية والاجتماعية الحاصلة، بحسب جريدة الوطن.

وبين العنزي أنه كان من المفروض أن تعامل الفتاتان على أنهما صادقتا التوبة، واستشهد بقصة الغامدية التي زنت في عهد الرسول وكان تعامل الرسول معها ألطف، وعندما تم رجمها وقعت بقعة دم على ملابس خالد بن الوليد فلعنها, ورد عليه الرسول بأن تلك الغامدية تابت توبة لو وزعت على الخليقة لكفتهم.

الهيئة السبب

وفي بيان وصلت "إسلام أون لاين" نسخة منه، أدانت جمعية الدفاع عن حقوق المرأة في السعودية -تحت التأسيس- الجريمة، وحملت هيئة الأمر بالمعروف المسئولية عن ارتكابها.

وقالت الجمعية: "إن تلك الجريمة الشنعاء تسبب فيها سوء تصرف من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث فضحوا الفتاتين بتهمة الخلوة غير الشرعية، وأوصلوا قضيتهما إلى الجهات الأمنية، بدلا من توبيخهما والستر عليهما، والله سبحانه وتعالى أمر بالستر".

وتابعت: "إن أيدي رجال هيئة الأمر المعروف والنهي عن المنكر ملطخة بدم الفتاتين مثل أخيهما، لأنهم فتنوا على الفتاتين وتسببوا في التشهير بسمعتهما، فالفتنة أشد من القتل، حيث أدت إلى القتل، وخراب بيت أسرة بكاملها".

ودعا البيان إلى "محاسبة رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتورطين في تلك القضية، ومحاكمتهم على فضح عورات الناس والتشهير بسمعتهم، لأن تلك الأفعال تؤدي بالبعض إلى ارتكاب جرائم قتل بشعة مثل تلك التي لا يقرها عقل ولا عرف ولا دين".

وحذرت الجمعية من "أن قتل ذاك الشاب المتهور لأختيه أمر مروع ومخيف وقد يفتح الباب لجرائم كثيرة من هذا النوع إذا خُفف الحكم على القاتل، وسيدفع ذلك ذوي النفوس الضعيفة، والقلوب الصلبة إلى قتل النساء بدم بارد بدون اكتراث أو تردد".

وطالبت الجمعية "السلطة السعودية والجهة المعنية بالقضية بمحاكمة ذاك الرجل على أنه قاتل مع سبق الإصرار والترصد، لكي يكون عبرة لكل الرجال المتهورين الذين يمارسون العنف على النساء ويتسببون في إيذائهن وإزهاق أرواحهن".

قتلُ الضعيفتين

بدورها تساءلت الكاتبة السعودية حليمة مظفر عن الجرم التي ارتكبته الفتاتان ويستوجب القتل، منتقدة جريمة الأخ، قائلة: "ليست رجولة ما قام به الشقيق الأرعن؛ ولا أحسب أنه رد شرفه بجريمته، بل فضحهما وعائلته بقتله ضعيفتين حرمهما من نعمة الحياة التي كفلها الله تعالى لعباده، وأزهق روحين ربما لم يتجاوز خطأهما لقاء عابرا كان من الممكن تصحيحه أثناء الإمساك بهما من دون تعريضهما لهذه الجريمة".

وتابعت في مقال نشرته جريدة الوطن السعودية: "بل حتى لو ارتكبتا الخطيئة، فإن قتلهما ليس مما أمر به الله تعالى ولا الدين في شيء، فالزاني والزانية لا يقام عليهما حد الجلد إلا بعد ثبوت البينة بأربعة شهود عدول يرون منهما ما هو (كالميل في المكحلة) وإذا لم يتوفر الشهود فإن الاعتراف أربع مرات من دون تراجع يحقق العقوبة، ولو كان الاعتراف وتم التراجع أبطلها، فهل هناك رحمة وستر يدفعنا الإسلام الكريم إليه أكثر من ذلك".

وحذرت مظفر من أن التهاون مع القاتل بدعوى أنها جريمة شرف، قائلة: "القانون والقضاء بما حكم الله تعالى ينبغي ألا يقبل هذه الجريمة وألا يتنازل عن القصاص من القاتل، حتى لو عفا والده عنه وهو المُتوقع، ولم لا؟! وهو الواقف أمام مشهد مصرع الضعيفتين بدمائهما، فإن الحق العام وحق المرأة السعودية على المجتمع والقانون أن يحافظ على حقوقها التي أبسطها حقها في الحياة؛ وإلا فسنقرأ كل يوم في ظل وجود العنف الأسري والاجتماعي والجسدي والنفسي المتداعي قضايا ضد المرأة".

من كان منكم بلا خطيئة

وفي الجريدة نفسها حذر الكاتب علي سعد الموسى في مقال نشره اليوم الأربعاء من اللجوء للقتل، مشيرا إلى أنه ليس هناك أحد معصوم من ارتكاب الخطأ.

وقال الموسى موجها حديثه لأفراد المجتمع: "من كان منكم بلا خطيئة فليعلن تحت هذا المقال أنه بلا خطيئة، ولو أننا أتبعنا كل خطيئة برصاصة إلى جسد المخطئ لربما كانت حاجتنا إلى الرصاص بأعداد الملايين".

ودعا إلى تغليب ثقافة الستر لا الفضح ، قائلا: "مثلما كانت قصة هذا الإسلام العظيم هي المغفرة والتوبة، مثلما هي قصته الكبرى في العفو والصفح والتسامح، مثلما هو أيضا منهجه في الستر وحفظ أعراض الناس".

وأشار في هذا الصدد إلى الآية الكريمة في قوله تعالى: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله"..

بدوره اعتبر د. عبد الرحمن سعد العرابي في مقال نشره اليوم الأربعاء بجريدة المدينة أن تلك الجريمة مع جرائم أخرى "تعد مؤشرا (خطيرا) جدا على السلم المجتمعي".

وبين "أن تحول العنف إلى عنف مسلح وفي (معالجة) خلافات أسرية أو عملية أو علاقات بينية نذير تهديد (يتحتم) على كل الشرائح المجتمعية -من أسرة ومدرسة وأمن وفكر وثقافة وإعلام- دراستها وتحليلها ووضع الآليات الناجعة والصحيحة لمعالجتها و(إيقاف) خطورتها".