كان وقع رحيله أشبه بالصدمة التى أعقبت صدور كتابه الأشهر وسيرته الذاتية التى تحمل عنوان «مشيناها خطى»، الذى عرض فيها لمواطن الخلل والضعف فى المجتمع المصرى عبر سيرة حياة لم تفارقها الشجاعة، مما جنى عليه الكثير من العداوات وبالأخص حينما اجترأ على المسكوت عنه من بعض الانحرافات الأكاديمية فى الجامعة المصرية،
لقد ظل المؤرخ الراحل الدكتور رؤوف عباس مؤمنًا بالديمقراطية مدافعًا عن الحرية شاهرًا قلمه بشجاعة فى وجه الزيف والملق والانتهازية أينما كانت، وفى سيرته هذه التى صدرت عن دار الهلال قبل أربعة أعوام قدم عباس نموذجًا مغايرًا فى فن كتابة السيرة الذاتية التى يفارقها الاحتراس والاحتراز، فجاءت سيرة كاشفة للذات والواقع فكانت سيرة وطن عبر سيرة مواطن حيث الشخص والنص صنوان وقد صدرت منها خمس طبعات، ومن أجواء هذه السيرة أن عباس من مواليد بورسعيد فى الرابع والعشرين من أغسطس عام ١٩٣٩،
وحصل على الدكتوراه فى التاريخ الحديث بمرتبة الشرف الأولى فى عام ١٩٧١، وحصل على جائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية عام ٢٠٠٠، وشغل موقع رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة وأستاذ زائر بجامعة طوكيو فى الفترة من ١٩٨٩ إلى ١٩٩٠،
وكان له الفضل فى إدخال اللغة اليابانية ضمن أقسام كلية الآداب، كما أنه ترأس اللجنة العلمية لدار الوثائق المصرية وقد ترأس وحدة الدراسات التاريخية بمركز الأهرام للدراسات السياسية وفى أخريات حياته تولى رئاسة مجلس إدارة الجمعية التاريخية، فأحدث نقلة فى المبنى والمنهج والدور وكان لـ«المصرى اليوم» شرف الالتقاء بالمؤرخ الكبير قبل رحيله بأشهر وفى حوارنا معه لم يخجل من استدعاء سيرة صعوده العلمية، فقال، مثلما قال فى سيرته،
إنه نشأ فى أسرة رقيقة الحال عانت الفقر والحرمان، وكان والده عاملًا فى السكة الحديد وقرر إلحاقه بالكتاب الذى ضاق به رؤوف ذرعًا فقرر أبوه إلحاقه معه بالعمل فى السكة الحديد، وتلعب الصدفة دورًا فيساعد أحد أصدقاء الأسرة رؤوف فى الالتحاق بمدرسة أهلية تتبع الوقف الخيرى،
ولما رأى هذا الصديق ما لرؤوف من مستوى تحصيلى ممتاز فى الثانوية العامة وأن ضيق الحال لم يمكنه من الالتحاق بالجامعة التى كانت مصاريفها ثلاثة جنيهات قرر أن يقرض رؤوف هذا المبلغ وقدم أوراقه للتنسيق، واليوم يكون قد مر على رحيل عباس عام كامل إذ توفى «فى مثل هذا اليوم» ٢٦ يونيو من العام الماضى ٢٠٠٨.