اعتذار حسني لإسرائيل.. مَهْر “اليونسكو” الغالي

شادي صلاح الدين - القاهرة


دخلت قضية ترشيح وزير الثقافة المصري فاروق حسني لمنصب مدير عام منظمة اليونسكو طورًا جديدًا من الصراع داخل مصر وخارجها؛ في أعقاب تصريح حسني الجديد والذي قدّم فيه اعتذارًا لدولة إسرائيل عمّا وسبق وأعلنه من عزمه حرق الكتب اليهودية في مصر، الأمر الذي جوبه بنقد واسع من قبل اللوبي الصهيوني في جميع الدول الغربية، وألقى بظلاله على دعم ترشيح حسني، ليجيء اعتذاره في محاولة لاستمالة الجانب الإسرائيلي بوصفه أحد الكروت المهمة في الصراع، من منظور تأثيره على كثير من الدول الداخلة في عملية التصويت.. غير أن اعتذار حسني قوبل كذلك باعتراض شديد، بلغ حد الاتهام من قبل عدد من المثقفين والأدباء والمفكرين في مصر؛ بل إن عضو البرلمان المصري المهندس إبراهيم أبو عوف طلب إحاطة عاجلة من رئيس الوزراء المصري الدكتور أحمد نظيف حول اعتذار وزير الثقافة السيد فاروق حسني عن جملة حرق الكتب اليهودية ..
مضيفًا بقوله: إن حسني اعتذر للعدو الصهيوني طمعًا في منصب مدير عام اليونسكو.. ولقد أصابنا الاعتذار بالصدمة نتيجة العدوان والمذابح المستمرة التي تقترفها أيادي هذا العدو الآثم بحق إخواننا في غزة وفلسطين.. وتساءل أبو عوف: أمِن أجل هذا المنصب تباع الضمائر وتشترى؟
مبررات حسني
ولم يجد الوزير حسني إزاء هذا الرفض الواسع من قبل المثقفين لاعتذاره من مبرر غير قوله في اللقاء الذي بثته فضائية « أو . تي . في»: أنا الذي ناديت بعدم التطبيع من يوم أن توليت وزارة الثقافة، ولم يتخذ أحد من قبلي هذا الموقف،لكن الموقف بالنسبة لليونسكو يختلف، فأنت تذهب إلى منظمة أنشئت بالأساس لإقامة السلام بين عقول البشر، وعندما أتحدث عن عدم التطبيع فليس الكلام بإطلاقه، وإنما أتحدث عن عدم التطبيع بشروط، هكذا تسير الأمور بطبيعة الحال، ولو أقيمت دولة فلسطينية ودولة إسرائيلية فلا بد من التعاون بشكل أو بآخر.
ويضيف حسني: وما يساعد في طرح الترشح لتولي منصب أمين عام المنظمة أنك آت من بلد بينه وبين إسرائيل سلام، ولو كانت هناك حرب فالأمر غير مطروح بالمرة، فهذه مؤسسة سلام، إذن ونحن نتحدث اليوم إنما نمهد لموضوع آخر ليس خاصًّا بالوطن والعالم العربي؛ وإنما موضوعًا يخص الكرة الأرضية، هناك قرار جمعي يخص 58 دولة، ولا يخص دولة واحدة، اتجاه متعارف عليه اسمه السلام، التصالح بين الأديان والطبيعة، إذن فأنت حين تذهب إلى هذه المنظمة لا يصح أن تذهب بعقليتك المحلية.
ويمضي حسني مصممًا على موقفه فيما أضافه بقوله: أنا لم أفعل أي شيء يتعارض مع قناعاتي الشخصية، ولم أغير موقفي، إنما لا بد أن من ينظر إليّ سيغير موقفه، ولا ينظر إليّ بشكل محلي، بل بشكل دولي، قناعاتي لم تتغير ، ولكن كما أقول دائمًا، قناعاتي كوزير ثقافة لآخر وقت ثابتة ، لكن عندما أكون ذاهبًا إلى اليونسكو فإن سياسات أشمل لا بد أن تراعى، وكلامي عن حرق الكتب اليهودية لا يصح أن يقال من وزير، ورغم أنها صدرت مني لم تكن تحمل معنى حقيقيا، لكنها خرجت وأصبحت واقعًا، وهي كلمة سيئة ولا بد أن أعتذر عنها، ولو لم أتخلص منها ما كانت لتتركني طوال الحياة.
وردا على ما إذا كان الوزير نادمًا عن رفضه إشراك أفلام اسرائيلية في مهرجانات السينما المصرية المختلفة في الماضي، قال الوزير: لا لست نادمًا، ولابد أن نكون واقعيين، أنا واحد من المجموع، عندما يرفض المجتمع شيئًا فأنت لا تستطيع أن تقف عكسه، فأنت في هذه الحالة لا تمثله، المجتمع نفسه يرفض هذا الموضوع، ومثلما قلنا، إسرائيل تريد التطبيع، فلا بد أن نأخذ السلام مقابل التطبيع، الموضوع ليس عافية، هناك تفاهم.
مواقف مع الوزير
غير أن الموقف كله لا يتسم بالرفض المطلق، فبعض المثقفين يرون في اعتذار حسني “فضيلة” ويبرز ذلك في مداخلة تليفونية للكاتب السيد ياسين جاء فيها قوله : أتوقع للوزير نجاحًا ساحقًا، مشروع ترشيح حسني ليس مصريًّا فقط، ولكنه مشروع عربي أيضًا، مصر تعبر عن الثقافة العربية، في نشاطات المجلس الأعلى للثقافة مصر كانت قادرة على أن تجمع المثقفين في المؤتمرات، الرسالة التي نشرها الوزير مارس فيها ما أسميه النقد الذاتي، وهو فضيلة غربية قام على أساسها تقدم المجتمعات الغربية، وأنا أحمد له أنه كتب هذه الرسالة، بل نحن كمثقفين مصريين وعرب نرفض حرق الكتب، النقطة الغريبة أنه في الثقافة الاسرائيلية هناك تيارات عنصرية، ولكن هناك تيارات تقدمية، هناك حركة المؤرخين الجدد في إسرائيل الذين مارسوا نقد السياسات العنصرية والاستعمارية للدولة الاسرائيلية، عندنا وحدة للترجمة من العبرية إلى العربية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، وعندنا سلسلة اسمها مختارات اسرائيلية، وهي مصدر أساسي للتعرف على فكر الآخر، أنت لا تستطيع أن تنعزل، في مشروع الترجمة برئاسة الدكتور جابر عصفور والذي يدعمه وزير الثقافة نترجم عن اللغات الأصلية ، فاروق حسني عنده رؤية عالمية ، يعبر عن ثقافة السلام .
واستطرد ياسين: ليست هناك أي فجوة بين موقف الوزير وموقف المثقفين بشأن التطبيع، والوزير تكلم كلامًا دقيقًا في مسألة التطبيع إنه ضد التوقيت وليس ضد التطبيع، هذه مسألة مهمة، نحن كمثقفين مصريين أخذنا هذا القرار، عدم التطبيع إلى أن تنشأ الدولة المستقلة ، وهي مسألة واضحة.
وقريبًا من ذلك يقول الكاتب صلاح عيسى في مداخلته : ما قالته إسرائيل بالتحديد أنها ستكف عن الحملة المعادية لفاروق حسني ولم تقل إنها ستدعم ترشيحه، والدليل على ذلك أن حملة اللوبي الصهيوني في أميركا وألمانيا ما زالت مستمرة.
استقالة جاهزة
يذكر أن حسني صرّح في لقاء مع مثقفين مصريين بأنه سيطلب إعفاءه من منصب الوزير حال فشله في الوصول إلى اليونسكو قائلاً: آن الأوان أن أترك المكان لغيري وأستريح، وأعتقد أن الوزير المقبل سيجد أن 80 % من مشاريع التطوير بالوزارة قد أنجزت.
وعقب الوزير على عملية الدفع بمرشحين من مناطق مختلفة لليونسكو بأنها لعبة تفتيت الأصوات، التي تلعبها المؤسسات المختلفة، وهي عملية عادية، مؤكدًا أن عدد المرشحين للمنصب بلغ سبعة، والمنافسة أصبحت قوية بعد الدفع بوزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي ، لكنه تساءل: هل أوروبا ستتفق على مرشحتهم؟
مضيفًا: هناك ثلاث دورات، ولعب كثير للحصول على الأصوات.
وعن الموقف الفرنسي أكد حسني أن فرنسا دولة حليفة، فلها أكبر بعثة أثرية في مصر، والفرنسيون عندهم هوس بمصر، وأنا لا أعتقد أن فرنسا تخرج عن إطار زمني طويل بمصر، وما يحدث قد لا يخرج عن مشاغبات قبل الانتخابات.
وأشار حسني إلى أن الموقف الأميركي المعلن منه منذ إدارة بوش سيتغير حتمًا في إدارة أوباما الجديدة، وإن كان في إدارة أوباما جيوب من الموقف السابق، فإن تفكير أوباما جديد جدًّا على الساحة الدولية، وأعتقد أنه رسول سياسي قادر على تغيير العالم، وإذا لم تدعم الولايات المتحدة موقفي فأعتقد أن أوباما سيكون له تأثير كبير على الساحة الدولية، وأعتقد أنه سيتفهم لأنه يتوجه إلى العالم الإسلامي.
وأشار حسني إلى أن أميركا سيدة العالم ولها قول فصل في أي موضوع، ففي الأمم المتحدة لها حق الفيتو، إنما في اليونسكو لها صوت مثل أي صوت.