شادي صلاح الدين- القاهرة / تصوير: خالد رفقي
“”على غير ما هو حال المثقفين والأدباء والمبدعين في الاحتفاظ بالكتب؛ لا يجد الشاعر أحمد الشهاوي حرجًا في التخلّص منها.. انظره يقول: أنا أفعل شيئًا ربما لا يفعله المثقفون عادة، فقد نشأنا على أن المثقفين يظهرون في الصحف ووسائل الإعلام وهم يفاخرون بأعداد الكتب في مكتباتهم، وأغلب الظن أن هذه الأعداد مبالغ فيها أو على الأقل لم تقرأ. أنا من الذين يتخلصون من الكتب أولا بأول، وهذه الفكرة طرأت علي من قبل ما يزيد على عشر سنوات فقط، فلم أعد أبقي إلا على الكتب التي قد أعود إليها أو شكلت علاقة حميمة بيني وبينها، أو أثرت فيّ. أصفّي مكتبتي بأن أعطي لأصدقائي وزملائي والمبدعين الجدد كتبًا قرأتها، وأراني لن أعود إليها مرة أخرى، إذ نادرًا ما أعود إلى كتاب قرأته لأقرأه مرة ثانية، أعلل ذلك بأن هناك كتبًا أهم أو في الأهمية نفسها تنتظرني، وعليّ أن أقرأها قبل أن أموت..
ولا يقف الأمر لدى الشهاوي عند حد التخلص من الكتب فقط فهو يضيف: المسألة الأخرى التي بت أفعلها أيضًا هي أنني لم أعد أقتني إلا الكتب التي أحتاجها فعلاً، وتشكّل لي مطلبًا ملحًّا، بمعنى أنها تناديني وتطلب قراءتي لها، ومع الخبرة ومرور الزمن صرت أعرف ما الكتب التي أريدها، وما الأسماء التي أتوقف أمامها، وعموما الكتب المهمة نادرة وقليلة في كل الحضارات والثقافات، أستطيع الآن أن أشكل لك قائمة بالكتب التي أراها أمهات بالنسبة لي والتى، لا ينبغي للمبدع أن يموت قبل أن يقرأها، أو على الأقل يقرأ أقساما منها، لأن المبدع يموت دون أن يبلغ الذروة في الكتابة والقراءة، إنه يموت ناقصًا.
لو بدا لك أن طريقة الشهاوي «غريبة»؛ فمكتبته كذلك لا تخلو من غرابة عنوانها «الفوضى» أمر يستعصي على النظام، مجلات وكتب وقصاصات، وصحف يومية في كل مكان.. وفي هذا الزحام لابد أن تستوقفك أشياء تصحب الكتب في إلفة ومودة.. صورته ونزار قباني على شاطئ البحر، كأنما الطيور حلقت حولهما لتشاركهما الغناء، وصورته ونجيب محفوظ وهو يحاوره، وصور أخرى كثيرة..
• كيف تكونت عادات القراءة لديك؟
الشهاوي يقرأ ورقياً والكترونياً، لكنه ينحاز إلى الورق بوصفه “الهوية والهوى”، في كل سفرة يسافرها يقرأ ما بين خمسة إلى عشرة كتب لم يستطع قراءتها في القاهرة، وغالبا ما تكون في الفلسفة والتصوف أو الديانات القديمة أو الأساطير وليس منها الشعر بطبيعة الحال، لأنه يعد قراءة الشعر سهلة على الشعراء، لكن ما يشكل الوجدان والوعي ويؤثر ويغير ويملأ الروح فيتركز من وجهة نظره في الفلسفة والتاريخ والديانات والأساطير. يصف نفسه تبعًا لهذا السلوك القرائي بقوله: أراني قارئا نوعيًّا للروايات النوعية النادرة، وأظن أنني مدين لخمسين بلدا زرتها بالقراءة والكتابة خصوصًا الأشهر الطوال التي قضيتها ما بين الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا، كما أنني مدين للمطارات والطائرات أنها استوعبت جموحي وطموحي في أن أقرأ وأكتب، فأكثر من 50 بالمائة مما كتبت ولد في البلدان التي سافرت إليها.
في قراءته يتوقّف عادة أمام أشخاص محددين؛ فهو محب لجلال الدين الرومي، ومحيي الدين بن عربي، فالذين يحبهم لا يكتفي بكتاب واحد لهم، سواء على الشعر أو الفلسفة أو التاريخ أو المعارف الأخرى.
مشيرًا في ذلك إلى أن الكتب المهمة تؤدي إلى بعضها البعض، والكبار في الثقافات لا ينجزون كتابًا واحدًا أو اثنين ، فهم أصحاب مشروع كامل أو منجز أو رؤية متكاملة.
ويتخذ الشهاوي موقف التجاهل تجاه الكتب التي تتضمن نقدًا جارحًا له، فيقول بطريقة لا تخلو من مزاح وسخرية: دائما أقول مازحًا «أنا المشتوم»، أي أكثر الذين تعرضوا للشتائم، ولا أقول النقد، ومن فرط السباب لم أعد أهتم بما يكتب، لكنني أحرص على قراءة أعمال الذين يشتمونني كي أعرف إلى أي مدى وصلوا في تجاربهم، وأحتفظ بهذه الكتب لفترة من الوقت، ثم أتخلص منها بعد ذلك لأنني على قناعة بأن الكبير لا يسب ولا يشتم (أقصد الكبير إبداعًا وخلقًا) .
يبدو مولعًا بالكتب القديمة النادرة، ويبدو هذا واضحًا في مكتبته، ولهذا سببه الذي يكشف عنه أحمد بقوله:
ولعي بهذه الكتب، أو إن شئت الدقة الطبعات الأولى جاء من تعود عيني رؤية الكتب في بيتنا الأزهري، وبحكم كوني متصلاً بالتراث العربي شعرًا وتصوفا ونثرا رأيتني أجمع كل ما تقع يداي عليه من مختلف بلدان العالم، وتوسع هذا الجمع ليشمل لغات أخرى غير العربية، فلا أنكر أن لدي كنوزا تشكل مكتبة من النوادر في طبعاتها الأولى لشعراء العربية ومتصوفيها، وأيضا لشعراء العالم ، وأمهات الكتب العربية، تلك التي طبعت في مصر قبل ميلاد القرن العشرين، وعادة لا أقتني كتابا في طبعة ثانية، هذه الهواية ممتعة لكنها مكلفة، إذ إنني كثيرًا ما أعود إلى البيت وقد أنفقت كل ما أملك على شراء الكتب النادرة، وقد عودت أحمد ابني (9سنوات) على أن لدينا مكتبة نادرة كي يعرف تراثه وقيمة ما جمعت. هذا الجمع يجعلني طوال الوقت أتصل بهذه الكتب في طبعاتها الحديثة ، لأنني أخشى أن أستخدم الكتب النادرة من فرط قدمها حتى لا تبلى. وهذا الولع جزء من ولعي بالنوادر والمجهول والخاص في الثقافة العربية والحضارة الإسلامية والإنسانية بشكل عام. ورغم أنني لم أبع كتابًا واحدًا مما أمتلك من كتب نادرة وهي تقدر بمئات الآلاف من الدولارات أواصل جمعها منذ ما يزيد على ربع قرن ، فإنني أتصور يوما ما أنني سأقع على كنز يتمثل في طبعة أولى من عمل شعري شهير سواء بالعربية أو باللغات الأجنبية ، فمثلا وقعت يداي على الأرض الخراب لإليوت ، وكذلك أزهار الشر لبودلير ، لكن العملين للأسف لم يكونا في طبعتهما الأولى ، لذلك فهما لا يعنيان الكثير في سوق النوادر ، فإذا ما كانا في طبعتهما الأولى فأنت تستطيع أن تتقاعد عن العمل وتتفرغ فقط للكتابة والشعر. هو حلم مشروع وقد لا يتحقق ، أذكر أنني اشتريت أثناء وجودي بلندن الطبعة الأولى من كتاب «ألف ليلة وليلة» في ترجمتها الإنجليزية قام بها ادوارد لين ، وعمرها يزيد عن 150 عاما ، وكان البائع يجهل قيمتها ، وسألته عن ثمنها – وكنت أتوقع أن يزيد عن 100 جنيه استرليني – فطلب اثني عشر جنيها ، وبعد التفاوض دفعت عشرة جنيهات فقط، وفي الليلة ذاتها طلب صديق أن يشتريها بألف جنيه استرليني فرفضت لأنني أعرف قيمة ما لدي ، وأحيانا أهدي أصدقائي كتبا نادرة لدي منها أكثر من نسخة، لكن بعضهم لا يعرف قيمة الهدية رغم أنهم مشتغلون بالثقافة.
ولع الشهاوي بأدب أميركا اللاتينية دفعه إلى الاتفاق مع الدار المصرية اللبنانية لتخصيص سلسلة شعرية تعنى بالشعر المترجم وبشكل أساسي عن الأسبانية، وقد بدأ بالفعل بكتاب «مختارات فرناندو رندون».
مكتبة الشهاوي لا تخلو من آلاف الكتب المنقولة عن لغات أجنبية خصوصا الإنجليزية والفرنسية والإسبانية ، وهي تشكل جزءا مهما وأساسيا من مكتبته.