نظرة اجتماعية سلبية، عنوسة وطلاق، تحرش جنسي، إجهاد نفسي، قلق وظيفي، تلك أبرز ملامح قصص المعاناة اليومية التي تحيط بالممرضة السعودية، وهو الأمر الذي تسبب في ضعف إقبال السعوديات على الانخراط في مهنة التمريض، كما أن نسبة الممرضات العاملات شهدت تسربا وظيفيا بلغ 25%، رغم الجهود المبذولة من قبل الحكومة السعودية لتقديم كل الحوافز المادية والمعنوية للسعوديات الملتحقات بمهنة التمريض.
وتعتبر مهنة الممرضة من المهن التي اعتاد المجتمع السعودي أن يرى ممارساتها من غير السعوديات، ولم تقتحم السعوديات هذا المجال إلا في الآونة الأخيرة، ومع تحقيق بعض الإنجازات إلا أن نظرة المجتمع السلبية في مجملها لمهنة التمريض قد تعود بتلك الإنجازات إلى المربع الأول؛ حيث يرى الكثير من السعوديين أن عمل المرأة كممرضة يتعارض مع الدين والعادات والتقاليد، وأن الممرضة في نظر البعض ليست إلا "خادمة" وهو ما لا يليق بالسعوديات، الأمر الذي ساهم في تعميق النظرة السلبية للمهنة.
وتشير إحدى الدراسات التي أجرتها وزارة الصحة السعودية، على طالبات المعاهد الصحية والمدارس الثانوية، أن خوف معظم أولياء الأمور على بناتهم من الاختلاط بالرجال في المستشفيات يعتبر من أقوى الأسباب التي تفسر عزوف السعوديات عن مهنة التمريض، وأوضحت الدراسة وجود تدن في الرغبة بمهنة التمريض من بين تسع مهن أخرى؛ حيث جاءت مهنة التمريض في المرتبة الأخيرة من بين تسع مهن أخرى، كما أظهرت الدراسة أن 80% من الطالبات اللاتي أجري عليهن المسح لا يرغبن في العمل بمهنة التمريض، وأن الذين التحقوا بالكليات والمعاهد الصحية كان السبب الرئيسي هو عدم قبولهم في كليات أخرى، أما الـ 20% من الطالبات الذين وافقوا على مهنة التمريض فكانت مبرراتهن أن المهنة تمثل مصدر إشباع ذاتي؛ لأنهن قد يسهمن في تخفيف الآلام عن الآخرين، مع إشارتهن إلى بعض التحفظات على المهنة مثل الاختلاط بالرجال، ونظام المناوبات الليلية، ووجود اعتقاد بأن مهنة التمريض للفتاة السعودية ربما لا تتوافق مع القيم السعودية، وأنها في نظرهم مهنة متدنية.
"لا" للزواج من ممرضة
يعتبر عزوف أكثرية الشباب عن الزواج بممرضة، أحد ملامح العوائق التي تتعرض لها الممرضة السعودية، مما يجعل الطالبة الجديدة تفكر أكثر من مرة قبل الدخول لكليات التمريض؛ حيث هناك الكثير من الممرضات فاتهن قطار الزواج، كما أن المتزوجات قد يخيرن بين الطلاق أو ترك الوظيفة.
يقول الشاب علي باكثير: "التمريض مهنة سامية، ولكن عمل المرأة كممرضة يشغلها عن بيتها وأطفالها، ولا أعتقد أن هناك رجلا سيتحمل هذا الوضع بشكل دائم".
ويضيف محمود الغامدي: "أنا شخصيا لا أفكر بالارتباط بممرضة؛ وذلك لاختلاطها بالرجال، مما يزيد من جرأتها في التعامل مع الرجال، وسهولة حديثها معهم؛ مما قد يؤثر سلبا على حيائها.
ويرى الغامدي: أن هناك من ينظر إلى الممرضات على أنهن منفتحات، وللأسف أن هذه النظرة قد أوصلتها بعض الممرضات اللاتي تمادين في التبرج، وهناك من ينظر إليهن نظرة واقعية، فهن أخوات وزوجات وبنات، والكثيرات منهن ملتزمات بمبادئ الأخلاق السامية.
بينما يؤكد ياسر القحطاني: "غيرتي لا تسمح لي بأن أرى زوجتي تخالط الرجال، مضيفا إذا كانت مستشفيات نسائية خالصة فأنا لا أمانع من الزواج من ممرضة".
بأي ذنب يرفضني
تعلق عالية محمد، ممرضة في مستشفى الجامعة بجده، على عزوف الشباب من الزواج من ممرضات: "انخرطت في مجال التمريض لكي أحقق ذاتي، وأساهم في العجلة الاقتصادية لمجتمعي، لكنى صدمت بأني لا أستطيع الاقتراب من مؤسسة الزوجية لأنني ممرضة، وصرت "أتفرج" على أيام مستقبلي تذوب بين يدي.
تؤكد الممرضة نوال حامد: "الزواج ومهنة التمريض خياران يرى مجتمعي أنه يجب علي اختيار أحدهما، وليس من حقي الجمع بينهما مشيرة، أن الناس ينظرون للممرضة السعودية نظرة ازدراء، وأنها إنسانه لا تحافظ على حجابها رغم أن أغلبهن محجبات، ويحاولن قدر المستطاع عدم الاختلاط بالرجال.
توافقها منيرة خالد، ممرضة مبتدئة قائلة: "طريقنا وعر وشاق جدا، فنحن مطالبون بأن نكون ملائكة الرحمة، بينما تنظر فئة إلينا على أننا من الشياطين، وأننا فريسة سهلة يمكن صيدها ما دمنا قبلنا عملا فيه اختلاط.
وتضيف: البعض إذا رأى ممرضة سعودية فإنه على الفور يسعى إلى التحرش بها، متصورا أنها تعمل في هذه المهنة فقط للبحث عن العلاقات, ومثل هذه الأفكار ما هي إلا أوهام في أذهان البعض, لكنها لا تمنع من تعرضنا لكثير من المضايقات.
وتقول سميرة: نحن في حاجة إلى حملة توعية لتصحيح الصورة السلبية التي تهدد مستقبلنا المهني والاجتماعي؛ حيث إن الكثير من الشباب يظن أننا عند الزواج لن نستطيع التوفيق بين متطلبات عملنا وأسرنا، وأضافت أرجو من الإعلام تسليط الضوء على هذه الأمور.
تغير اجتماعي نسبي
بينما تختلف "سوسن المجالي" مديرة برنامج التمريض بكلية دار الحكمة للبنات بجدة، مع الآراء المتعلقة بالنظرة السلبية للمجتمع تجاه الممرضة، فتؤكد أن هناك ارتفاعا في نسبة الممرضات السعوديات في المستشفيات الموجودة بالمملكة بنحو 26%، وأشارت أن هناك تغيرا في نظرة المجتمع بشكل إيجابي نحو مهنة التمريض، على خلاف ما كان شائعا خلال أكثر من عقد مضى، وأكدت أن الظروف الاقتصادية والمتغيرات الاجتماعية التي شهدتها المملكة خلال السنوات الأخيرة بدأت تلعب دورا في تغيير نسبي في نظرة المجتمع السعودي تجاه مهنة التمريض.
وأوضحت أن التغير الاقتصادي والحاجة كان لهما دور إيجابي إلى حد ما، على رأي المجتمع، فبعض الرجال الذين كانوا يرفضون عمل ابنتهم أو زوجتهم في هذا المجال، وجدوا أن هناك دخلا جيدا من هذه الوظيفة، وربما يفوق دخلهم أحيانا، مما دفعهم إلى تقبل الأمر الواقع، خاصة أن راتب الممرضة السعودية يصل أحيانا إلى 9000 ريال سعودي "2400 دولار"، وأضافت برغم أن هذه الوظيفة لا زالت بين القبول والرفض في الأوساط السعودية، إلا أن هناك أزواجا كثيرين متفهمون لعمل زوجاتهم، ويقومون بمساعدتهم، ويذللون كل الصعوبات التي تعترض طريقهم، مقدرين حساسية هذا العمل وإنسانيته.
ويتفق مع هذا الرأي، د. سليمان الغديان الأخصائي النفسي فيقول: هناك شريحة كبيرة من المجتمع باتت تنظر للممرضة السعودية نظرة تقدير واحترام؛ لأنها تخدم دينها ووطنها عن طريق علاج بنات جلدتها.
إلا أنه استدرك قائلا، وهناك شريحة ما زالت تنظر للممرضة نظرة سلبية، وهم قلة.
وتتفق مع هذا الطرح هدى بخاري- الأخصائية في طب الأسرة؛ حيث تقول أعتقد أن هناك تغيرا واضحا في نظرة المجتمع للممرضة، ففي السابق كان عدد الممرضات السعوديات قليل جدا، والآن هم في ازدياد، وأشارت أن السعوديات يفضلن عموما العمل في مجالات محدودة كقطاع التعليم والخدمة الاجتماعية، إلا أن هذه الميادين لم تعد تستوعب المزيد لمحدوديتها خاصة مع الفائض الكبير لخريجات الجامعات في تلك المجالات، لذلك مع قليل من الوقت سينخرط السعوديات في المجالات الأخرى ومن ضمنها التمريض.
رؤية شرعية
يقول الشيخ د. علي عمر بادحدح، الداعية والمحاضر بجامعة الملك سعود، إن طبيعة العمل المرأة كممرضة في أصله جائز شرعا، مشيرا أن هناك من قام به من نساء المسلمين في عصر النبي، مثل الصحابية رفيدة التي اشتهر عنها بأنها كانت تمرض الجرحى في المعارك.
وأكد بادحدح أن التمريض عمل إنساني يؤجر عليه في الإسلام باعتباره تخفيفا عن المريض.
فالممرضة عليها أن تلتزم بالأحكام الشرعية في لباسها وحجابها وطريقة تعاملها، بحيث لا تخرج عن الحدود المشروعة، فيكون عملها حينئذ غير مشروع، لا في أصل العمل، وإنما لتجاوزها في أمور شرعية تخصها في عملها.
وشدد الدكتور بادحدح على ضرورة أن تكون بيئة العمل خالية من المحظورات الشرعية مثل الخلوة، وأن تؤخذ في الاعتبار طبيعة المرأة في العمل، مثل مراعاة الدوام المسائي، بحيث يكون مقتصرا على الرجال، وقلة من النساء لخدمة النساء فقط، وحتى لا تتعرض المرأة للمضايقات.
وفيما يتعلق بتمريض المرأة للرجال قال الشيخ بادحدح، لابد أن يكون هناك حرص أن تمرض الممرضة امرأة مثلها، وتمريض الرجل يمكن الاستغناء عنه بالرجال، بحيث يكون تمريض الرجال للرجال والنساء للنساء، ويبقى ما وراء ذلك منضبطا بالضوابط الشرعية العامة.