في مكتبة القرشي: الشعر يتسيّد المساحة.. والمخطوطات تنتظر التحقيق

شادي صلاح الدين - القاهرة تصوير: خالد رفقي


فنون أدبية شتى تتجاور في مكتبة الشاعر الراحل حسن عبدالله قرشي، منظورة في مخطوطات نادرة، وصور تلخص تاريخًا مضى.. أما المؤلفات الشعرية فتبدو سيد المساحة في المكتبة.. فهذه المكتبة الرابضة في القاهرة تبدو مثابة تغري الدخول والسياحة في أرجائها بعد خمس سنوات من رحيل صاحبها القرشي..
ابنته الدكتوره ليلى كانت الدليل في المحدّث عما فيها وما تحتوتيه أثارت انتباهنا أولاً إلى أن مكتبة والدها بجدة يفوق محتواها الخمسة آلاف كتاب، ممهورة بوصية منه بأن تتحول إلى مكتبة عامة، وقد شرعت ابنته في تنفيذ ما أوصى به الشاعر السفير.
في صدر المكتبة صورة للقرشي يصافح فيها الملك فهد، وصور له بين أصدقائه بالقاهرة فاروق شوشة والدكتور عزالدين إسماعيل، وبعض الشعراء، وعلى الأرفف تصطف كتب من تأليفه، وأخرى عنه، أما البقية فقد تفرّقت بين موضوعات أدبية وشعرية وسياسية عديدة.
في جانب من المكتبة لوحة لقصيدة نشرت بجريدة “المدينة” رثى بها الأمير فيصل بن فهد، قال في مطلعها:
هل تراءيت أعاصير المساء
منذرات بتصاريف القضاء
هزت الدوح، وأوحت بالأسى
عاصفات بالأمانيّ الوضاء
تساكن ومجاورة
ويلفت نظرك وأنت تطالع مكتبة القرشي الجمع بين القديم والجديد من الشعر، والسياسة ، فتلك المجلدات للمتنبي وجرير وابن الرومي وأبي تمام، فضلا عن كتاب «حكام مصر» للكاتب الصحفي محمود فوزي، وكتاب «روائع لافتات أحمد مطر» و«روائع الشعر العربي» و«معجم أسماء العرب» و«أعمال محمود حسن اسماعيل الكاملة»، وكتاب «أحمد زكي أبو شادي... الآثار الشعرية المجهولة» قدم له وديع فلسطين، وكتاب «حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية... دراسة موضوعية» لمحمد بن سعد التميمي، و«أعمال محمود درويش الكاملة» و«أعمال بلند الحيدري» الشعرية و«أعمال توفيق الحكيم» و«أعمال جبران خليل جبران» وكتاب «أعلام الأدب المعاصر في مصر».
ومن الأعمال التي كتبت عن القرشي كتاب «إطلاق الدلالة» للإعلامي أحمد فراج، و«الوساطة بين القرشي ونقاده» للدكتور عبد العزيز شرف، وحسن القرشي شاعر الجزيرة العربية» للدكتور حسن فتح الباب، وحسن عبد الله القرشي مجمعياً لكل من جمال عبد الحي وخالد مصطفى.
ويحيل كتاب «الوساطة» إلى عنوان قديم كتبه الجرجاني «الوساطة بين المتنبي وخصومه» لما كان للمتنبي من خصوم في الشعر والسياسة، ويبدو أن خصوم القرشي النقديين كانوا دافع شرف لتأليف الكتاب.
والوساطة النقدية ثمرة من ثمار الدرس الأدبي، وقد جاء كتاب الجرجاني في عصر الخصوبة النقدية المؤسسة على الذوق السليم، المؤتنسة بمناحي العلم.
لكن عصر القرشي -كما يشير مؤلفه- يشهد مزيجًا من المجاملة والتحامل، فإسراف في المديح دون وجه حق، أو مبالغة في التحامل دون مبرر، وكلا المجامل والمتحامل ممن يكتبون كلاما يريدون له أن يكون نقدا غير أمين مع نفسه بالدرجة نفسها، فكلاهما يسيء إلى المنقود من جهة، ويضلل القراء عن الحقيقة من جهة أخرى.
ويورد المؤلف ما ذكره القرشي في مسيرته الإبداعية في كتابه، من ذلك: لقد تدانت لي آفاق من المعرفة الإنسانية لا أنكر مدى تأثيرها في تعميق تجاربي، وتفتح نظرتي للحياة.
وبالرغم من أنني بدأت أسلوبي الشعري بكتابة الشعر على منوال الشعر العمودي، لكنني أقللت من هذا الأسلوب المغرق في كلاسيكيته إلى حد الندرة، وكتبت الشعر الحر في نماذج مقبولة، ولم يكن اتصالي بحركة الشعر غريبا علي ، أو متعارضا شكلا، مع اتجاهاتي ففي كثير من قصائدي الأولى اتجاه إلى تنويع القافية في القصيدة الواحدة، واتجاه لغوي إلى الاستطراد الشعري غير الملتزم بتحكم القافية، وإلى الانتقال في القصيدة الواحدة من بحر إلى بحر آخر.
أحباب القرشي
التجوال في المكتبة أوقفنا عن كتاب يلخص سلسلة أصدقاء وأحباب القرشي الذين كتب عنهم، فأشارت إلينا الدكتوره ليلى إلى تقديم فاروق شوشة له بأنه لم يتح لشاعر عربي مثل هذه الصداقات والعلاقات الواسعة، والناس يعرفونه شاعرًا ولا يعرفون براعته في رسم الشخصيات والنفاذ إلى أعماقهم.. يضم الكتاب ستين شخصية كتب عنها القرشي في الصحف السعودية وجمعتها ابنته بعد رحيله، وقد نشر مقالاته تحت العنوان ذاته الذي يحمله الكتاب وهو «عرفت هؤلاء» ، وكان يتمنى أن يجمعها في كتاب فقامت ابنته بالعبء بعده.
ومن بين من عرفهم القرشي بوصفه لهم الشاعر محمود حسن اسماعيل «من أبرز شعراء مصر ومن أكثرهم شهرة» وسيد قطب «أحد أقطاب البيان والذي تجرد للفكر فلم يشرك فيه زوجا ولا ولدا» والدكتور طه حسين «شخصية ضخمة طبقت شهرتها الآفاق العربية والأجنبية ومحمد مهدي الجواهري «آخر العمالقة الكلاسيكيين الذين يمثلون الشعر العربي الأصيل منذ العصر العباسي الأول حتى العصر الحديث» وأحمد رامي «أحد المثقفين الممتازين في تاريخ النهضة الشعرية المصرية وأحد الذين خلد ذكرهم فيها» وعلي أحمد باكثير وعمر أبو ريشة وأمين نخلة وعلي محمود طه وعلي الجارم وكامل الشناوي وتوفيق الحكيم وإبراهيم ناجي ويوسف إدريس. ليلى في خاتمة الزيارة أشارت إلى أن عمل والدها سفيرًا للمملكة في كل من السودان وموريتانيا ، ودراسته الجامعية للتاريخ قد أتاح له التعامل مع القضايا العربية والإنسانية عن قرب باعتباره معبرا عن الإنسان العربي ، وقد كان يحكي لها قصص التاريخ العربي بشكل مبسط فتصلها جيدا، أكثر من معلميها.