شادي صلاح الدين - القاهرة
لم يكن التبرير الذي ساقه وزير الثقافة المصري فاروق حسني لاستضافة الموسيقار الإسرائيلي «بارنبويم» للعزف فى الأوبرا باعتباره “رجل سلام”، وأنه ضد الأفعال الإسرائيلية ومن الداعمين للقضايا العربية والقضية الفلسطينية العادلة ضد المخططات الاسرائيلية، كافيًا لاقتناع المقربين من حسني ناهيك عن «المعادين» لسياسته، حيث اعتبره كثير من المثقفين -خصوصاً المخاويين للوزير- تغييرًا في السياسات الثقافية المصرية.
على أن موقف المثقفين المصريين من زيارة «بارنبويم» يجد ما يعضده إذا نظرنا إلى قول «بارنبويم» الداعم للقوة العسكرية الإسرائيلية حيث يقول: “الجيش الاسرائيلي بالغ القوة بالفعل وقادر -بدون شك- على كسب أي حرب ضد أي بلد عربي”، بهذه القناعة المحمولة على منصة الاستفزاز تحدث الموسيقار الاسرائيلي دانيال بارنبويم عن إسرائيل في كتابه “الموسيقى تحيي الزمن” الذي صدر عن دار فايار الفرنسية للنشر العام الماضي.
عبارة بارنبويم جاءت في مقال بعنوان “معركة فرقة موسيقية” نشرته مجلة “لونوفيل أوبسيرفاتور” الفرنسية في السابع والعشرين من ديسمبر الماضي، مشيرة إلى أن المقال مأخوذ من كتابه سالف الذكر.
وقد نشرت الهيئة العامة المصرية للاستعلامات المقال بترجمة نوال شفيق في “جريدة الجرائد العالمية” في عددها رقم 1109 الصادر في السادس من يناير 2009، وبمقدمة عن بارنبويم تذكر أنه مواطن اسرائيلي وأنه يحمل جواز سفر فلسطينيًّا، وأنه أحد كبار عازفي البيانو.
ويعتبر بارنبويم في المقال أن ما حدث في مدينة ويمار ومعتقل بوخنوالد بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية علامة على “قدرة الإنسان على الانزلاق في تيار الوحشية والبربرية والإبادة”، مشيرًا إلى أن “هذه الفترة المعقدة من التاريخ التي تداخلت مباشرة مع تاريخ دولة إسرائيل شكّلت الخلفية لأول احتفالية أمامها لأوركسترا مكون من عازفين شباب من فلسطين والأراضي المحتلة، ومن فلسطيني إسرائيل وسوريين ولبنانيين وأردنيين وبطبيعة الحال اسرائيليين”، وهي الأوركسترا التي تحمل اسم “ويست-ايسترن ديفان”، واتخذت من أشعار الألماني غوتة ومشروعه “الديوان الشرقي” رمزًا وعنوانًا لفكرتها.
ويحكي بارنبويم في مقاله عن فرقته المكونة من عازفين شبان، تربط بينهم لغة الموسيقى العالمية، وأن هذه الفرقة أو “الجمهورية” -حسب تعبيره- أتاحت الفرصة لأن يتعرف كل عضو على مآسي الطرف الآخر، مشيرًا إلى أن إسرائيل في حاجة ماسة إلى الإحساس بالأمان، بينما الفلسطينيون في حاجة إلى المساواة والكرامة.
لكن الموسيقار الشهير الذي أكد أن فرقته تعتبر “المحرقة النازية” خلفية لتكوينها، نفي في زيارته المثيرة للجدل للقاهرة أنه يحمل الجنسية الاسرائيلية، وأكد أنه ولد في الأرجنتين ويحمل الجنسية الإسبانية، وأنه كان صديقًا شخصيًّا للناقد الفلسطيني إدوارد سعيد، وقام معه بتأسيس أوركسترا الغرب والشرق عام 1999م.
وأكد بارنبويم في مؤتمر صحفي عقد بمقر السفارة النمساوية وحضره السفير النمساوي بالقاهرة توماس نادر أنه يعلم مدى الصعوبة التي تمثلها زيارته للقاهرة، ولكنه جاء ليقدم الموسيقى والفن، ولم يأت لأي سبب سياسي.
بارنبويم الذي يحمل مشروعًا سياسيًّا بالأساس ينطلق من قناعة أن الجيش الاسرائيلي بالغ القوة، ويحمل آلام المحرقة النازية لم يستطع أن يخفي ميوله السياسية وإن حاول ذلك، فقد دعا إلى تفاهم أكبر بين الإسرائيليين والعرب.. في سياق قوله: “سيكون من الأفضل كثيرًا لو ذهب المصريون والسوريون والفلسطينيون والأردنيون واللبنانيون إلى تل أبيب لشرح وجهة نظرهم والتعبير عنها”.