الأربعاء, 3 يونيو 2009
شادي صلاح الدين -القاهرة
حينما وقف المبدع والناقد المغربي محمد برادة مؤخّرًا للتوقيع روايته الجديدة «حيوات متجاورة» الصادرة عن دار الفنك المغربية في الحفل الذي أقامته مكتبة آفاق عربية بالقاهرة خصيصًا لذلك، صعدت معه إلى سطح الذاكرة سيرة مبدع عربي لم يترك أرضًا خصبة للإبداع إلا وخبّأ فيها بذور حروفه، فمنذ نشره لأول قصصه في العام 1957بجريدة العلم المغربية تحت عنوان «المعطف البالي». ظل برادة في ركض فس ساحة الأدب والمعرفة، غير مكتف بجنس أدبي عن الآخر متنقلاً في ذلك بين القصة والرواية والمقالة الأدبية والبحث النقدي، ولم تغب عن قلمه الترجمة من اللغات الأخرى إلى العربية أيضًا، فله في كل هذه المجالات العديد من الدراسات وبعض الكتب ذات الأثر اللافت في المشهد الثقافي والأدبي والنقدي العربي، مثل كتابه الهام حول محمد مندور وكتابه النقدي حول الرواية العربية. لهذا لم يكن حفل التوقيع على روايته الجديدة “حيوات متجاورة” إلا فرصة لقراءة منجز هذا المبدع العربي الكبير، ولن يكون هذا ممكنًا إلا باستنطاق نظرائه من الأدباء والكُتّاب والنقّاد..
الأكثر جرأة
حيث وصف الناقد الدكتور صلاح فضل الكاتب المغربي محمد برادة بأنه من أفضل النقاد الذين تحمل كتاباتهم النقدية سردًا ممتعًا، مفسّرًا بأن كتابة السرد قديمة لديه، وليس لأنه أتقن قوانين الرواية والقص ثم بدأ بتطبيقها. مشيرًا إلى أن برادة ولد قاصًّا مبدعًا، لكنه أنفق قدرًا كبيرًا من طاقته الإبداعية في كتاباته النقدية. معتبرًا أن روايته الأخيرة «حيوات متجاورة» الأكثر شجاعة في رواياته؛ فهو فيها يخترق منطقة المحرمات في التقاليد الإبداعية السائدة، ويدخل بشجاعة إلى بواطن الحياة المغربية، وعلى غير عاداته في رواياته السابقة فهو لا يتحدث عن ذاته بقدر ما يشغله الآخر، فيقدم في روايته نماذج عربية مغربية أصيلة تكشف عن توحش رجال الأعمال، وعلاقة الذكر بالأنثى، وزيف بعض رجال الدين.
لعب مع الذاكرة
وفي مداخلة للكاتب منتصر القفاش أكد أن برادة يحاول في روايته أن يلعب مع الذاكرة، ويعيد كتابتها بكل مستوياتها، في سياق قوله: الذاكرة مدخل لتعدد الحكايات، وتعدد الرواة في الرواية شيء مثير للانتباه، هناك حوار دائم طوال الوقت، الرواة لا يحاولون تقديم الحقيقة من عدة زوايا، لكن الحكايا تنفتح على حكايا أخرى، هناك لعبة الزمن، الزمن لا يمر حتى يجعلنا نعيد النظر فيما وثقنا فيه من حكايات بشكل لا يجعلنا نطمئن إلى الذاكرة، وكأنه يريد ألا نطمئن إلى حقيقة واحدة.
حنين مغاير
وقال الناقد وائل فاروق إن برادة يؤكد في روايته أن عالم ما بعد الحداثة عالم يفتقد المعنى، والنص مفعم بالحنين لكنه ليس ذلك الحنين إلى الماضي الزمني الذي نعرفه، ولكنه حنين إلى ما كان من الممكن أن يكون ولم يكن، وهو شكل جديد من أشكال الحنين، في النص حنين إلى العابر الذي لم يستقر وليس إلى الماضي المنتهي، كل شخصية تتحدث، ويخلو النص من الوقائع.
صورة للانهيار العربي
وأكد القاص سعيد الكفراوي أن برادة من الكتاب المتورطين في التعبير عن المتغيرات التي تحدث في عالمنا العربي ، والسؤال المحوري الذي يشغله في الرواية هو «ماذا جرى؟». مضيفًا: على المستوى الجمالي أقلقني بتقسيمه النص إلى السارد والمسرود بشكل جعلني أتساءل: هل لهذا التقسيم ضرورة فنية؛ لكن برادة بحكيه البديع خارج هذا التقسيم استطاع أن يقدم رواية محملة بالأسئلة، نماذج قادرة على رسم صورة للانهيار العربي الذي نعيشه على عدة مستويات، وأن يجمع بين عالم رومانتيكي يجد نفسه في الحب ويعيش على حلم ثوري وعالم قوي واقعي.
كذلك تحدث الكاتب الصحفي سيد محمود عن انشغال برادة بالدولة الوطنية بعد الاستقلال وهي الحالة التي تتشابه مع الواقع المصري، فإذا قرأت الرواية وأنت منشغل بالحالة المصرية فسوف تشعر بتطابق بين الحالتين المغربية والمصرية.
مردفًا بقوله: في قراءتي لشخصية الوارثي برواية برادة سألت نفسي هل هو صفوت الشريف أم عمر التلمساني، لكنني انزعجت من أن يشتغل الناقد لديه على العمل الأدبي، وتمثل ذلك في التقنية، فهو يدخل بين اللحظة واللحظة كمعلق ولا يتركك للأحداث والحكايا.
وعقب برادة على هذا بالتحديد بأنه قصد أن يوجد قدرًا من التباعد بين القارئ والشخصية، بشكل أقرب للبريختية، فالرواية مكتوبة في سياق صعب، فمنذ هزيمة 1967 ونحن نحس بأننا في انحدار في كافة المجالات، من حيث الاعتراف بالفرد كقيمة، وغياب قيم الديمقراطية، نحاول أن نقنع أنفسنا كيف نتحمل الهوان كل يوم، الكاتب يحاول أن ينسج عالما فيه بصيص من الأمل .
واختتم قائلا: هناك نزعة لعبية أحببت أن أمارسها في كتابتي لرواية «حيوات متجاورة» يمتزج فيها الشك باليقين والخيال بالواقع، وكم أحسست بمتعة وأنا أصنع أشياء قد لا تبدو واقعية، لكنها تعطي مساحة للتأمل.
سيرة ومنجزات
يذكر أن محمد برادة ولد في 14 مايو 1938 بالعاصمة المغربية الرباط. ونال الإجازة في الأدب العربي من جامعة القاهرة في العام 1960. في عام 1962 حصل على شهادة الدراسات المعمقة في الفلسفة بجامعة محمد الخامس في مدينة الرباط كما نال درجة دكتوراه من جامعة السوربون الفرنسية عام 1973. ويشتغل حاليا كأستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط.
وقد نشرت أول قصة له عام 1957 بجريدة العلم المغربية وكانت تحت عنوان «المعطف البالي». شارك في تأسيس اتحاد كتاب المغرب وانتخب رئيسا له في المؤتمر الخامس (1976) والسادس (1979) والسابع (1981). يكتب محمد برادة القصة والرواية، كما يكتب المقالة الأدبية والبحث النقدي، وله في هذه المجالات جميعها العديد من الدراسات وبعض الكتب ذات الأثر اللافت في المشهد الثقافي والأدبي والنقدي العربي، ككتابه الهام حول محمد مندور وكتابه النقدي حول الرواية العربية. صدرت له أيضا بعض الترجمات لكتب أدبية ونقدية ونظرية أساسية، لكل من رولان بارت و ميخائيل باختين وجان جنيه ولوكليزيو وغيرهم، كما ترجم لغيرهم العديد من النصوص الأساسية في مجالات مختلفة، كم عرفت بعض نصوصه الأدبية أيضا طريقها إلى الترجمة إلى بعض اللغات الأجنبية. حصل على جائزة المغرب للكتاب، في صنف الدراسات الأدبية، عن كتابه النقدي «فضاءات روائية». مجموعة قصصية, 2004. ومن أعماله “فرانز فانون أو معركة الشعوب المتخلفة” بالاشتراك مع محمد زنيبر، ومولود معمري، و”محمد مندور وتنظير النقد العربي”، ومجموعة قصص قصيرة بعنوان ”سلخ الجلد”، و قراءة في ذاكرة القصة المغربية بعنوان “لغة الطفولة والحلم”، وله من الروايات “لعبة النسيان”، و”الضوء الهارب” وكتاب في النقد بعنوان “أسئلة الرواية، أسئلة النقد، ومن إسهامات في الترجمة “من المنغلق إلى المنفتح” لمحمد عزيز الحبابي، و”الرواية المغربية” تأليف عبدالكبير الخطيبي، و”حديث الجمل” من تأليف الطاهر بنجلون، و”في الكتابة والتجربة” أيضًا لعبدالكبير الخطيبي، كذلك كتاب ”ديوان الخط العربي للخطيبي نفسه مناصفة مع محمد السجلماسي، و”الدرجة الصفر للكتابة” لرولان بارت، و”قصائد تحت الكمامة” شعر عبد اللطيف اللعبي، و”الخطاب الروائي” لميخائيل باختين.