الأسبوع الماضي خرجت مسرعا إلى عملي، ومعي كالعادة "عدة الشغل".. شنطة أنيقة بها "لاب توب" و"هارد ديسك" أحفظ عليه شغل 25 سنة صحافة ماضية، وفلاشاتي ونظاراتي وغيره.. وتوقفت بالسيارة 5 دقائق بالتمام والكمال في شارع شبرا العمومي وأمام مدرسة التوفيقية الثانوية العريقة وعلى بعد أمتار من بنوك ومواقف سيارات بها رجال شرطة وعمال الموقف، لأشتري الصحف من شارع جانبي وعندما عدت للسيارة وجدتها محطمة ومسروقة.. في خمس دقائق!.
لا مبالاة أمنية
اللصوص الفاجرون حطموا زجاج السيارة في وضح النهار وأمام المارة في الشارع المزدحم وسرقوا شنطة اللاب توب بما فيها، و"كمان قميص شيك" أصرت زوجتي على شرائه، وكنت أحتفظ به في السيارة منذ أربعة أيام كي أبحث له عن بنطلون مناسب، وكل هذا في خمس دقائق فقط، ولم يوقفهم أحد برغم إنذار السيارة الذي ينطلق بمجرد الطرق على السيارة فما بالكم بتكسير زجاجها.. كيف لا أعرف؟.
أرشيفي الصحفي الكامل وحصاد عمري الصحفي الذي وضعته على "هارد ديسك" خاص، سرقه اللصوص أيضا، وأصبحت أتسول جمع ما تبقى وتناثر منه هنا وهناك على كمبيوتر العمل أو الأبناء، وأصبحت كمن سرقوا عمره وفقدت الإحساس بالزمن.
الطريف أنني عندما قمت بتحرير محضر في قسم الشرطة وحضر معي مخبرون لتقصي حالة السيارة المسروقة، قال لي أحدهم إن هذه المنطقة التي أقف بها غير معروفة بالسرقة منها وإنهم يشكون أن يكون الجناة من منطقة أخرى قريبة وليس من المنطقة التي يشرف عليها قسم شرطتهم من الناحية الجغرافية، وشددوا على أن لصوص الحي التابع لهم لا يمكن أن يخرجوا من النطاق الجغرافي المحدد لهذه المنطقة التي سُرقت أنا فيها، مما دفعني للسؤال –ساخرا–: "وهل لدى لصوص الحي تعليمات من الشرطة بألا يتجاوز أي منهم منطقتهم؟"، وهل لدى اللص أصلا ميثاق شرف يجعله يلتزم بتهديدات الشرطة له؟!.
الأغرب أن أحد عمال الجراج المجاور قال إنه شاهد شابًّا –ذكر مواصفاته وملابسه– كان يحوم حول السيارة فور تركي لها وكان يمثل دور من يقوم بتنظيفها استعدادا لتحطيمها على ما يبدو، ومع هذا فلم يجرِ التوصل للجاني!.
ثلاث سرقات
ويبدو أن اللصوص يستظرفونني ويهوون سرقة سياراتي.. فهذه ليست المرة الأولى وإنما الثالثة (!)، فقبل عامين فاجأني لص بالطرق على سيارتي بشدة من جهة اليسار وأنا أسير بها ليعاتبني زاعما أنني كنت سأصدمه، واستغربت سلوكه؛ لأنني كنت بعيدا عنه جدا وهو الذي تعمد القرب مني، وبالطبع لم أفهم اللعبة إلا عندما وجدت سائق سيارة أخرى يقول لي إن أحدهم مد يده من جهة اليمين –عندما كان زميله يشغلني من جهة اليسار– وسرق جهاز الموبايل بما فيه أيضا من حصيلة أرقام هواتف "زبائن دكان الصحافة" من المصادر المصرية والعربية المختلفة التي جمعتها في سنين!.
وقبل حوالي 13 عاما قام لصوص أيضا بفتح سيارتي القديمة أيضا -بمفتاح مصطنع أو بطرقهم الخاصة- وهي تقف أمام الصحيفة التي كنت أعمل بها(!)، وهذه المرة سرقوا أيضا حقيبتي الصحفية في خمس دقائق غبت فيها عن السيارة، ولكن وقتها لم يكن بها سوى بعض الأوراق الشخصية وبطاقات الهوية الخاصة بي ومنها بطاقة انتخابية استخرجتها لأول مرة في حياتي بعدما قررت الثورة على سلبيتي الانتخابية والتصويت في الانتخابات المقبلة، ولكن بعد سرقتها عدت لمقاطعة الانتخابات خصوصا أنهم قالوا لي في لجنة الانتخابات -التي بعث لي أحد نوابها الوزراء ورقة دعاية يؤكد أنني عضو دائرته- إنني غير مقيد بها!.
ووقتها أيضا استغرب ضباط الشرطة في القسم القريب من الصحيفة أن أتقدم ببلاغ لسرقة السيارة وفتحها عنوة وهي ليس بها سوى أوراق صحفية وبطاقات هويتي الصحفية والرسمية والانتخابية معتبرين أن الأمر لا يستحق عناء كتابة محضر شرطة ما دام أنها "جات سليمة" ولم يسرق اللصوص شيئًا مهمًا.. حسب قولهم وما أقنعوني به!؟.
الجوع كافر
والأكثر غرابة أن هذه التجارب فتحت عيني على حقائق معروفة بالفعل، ولكن ليس من رأى كمن سمع!.. فارتفاع نسب البطالة وقلة العمل وبالتبعية قلة فرص الزواج التي أصبحت معدومة بسبب عدم وجود فرص للعمل وانخفاض الأجور، كلها دفعت العديد من المصريين للبحث عن المال بطرق مختلفة.. الأكثرية صامتة ومحتسبة وراضية، ولكن الشيطان موجود بيننا في الدنيا ولا بد أن يمارس هوايته، وهنا نجد المرتشين الذين لا يجري الكشف سوى عن 5% منهم إعلاميا، واللصوص الذين تعددت حيلهم وباتوا أكثر شراسة وعدوانا ومن يجرؤ على التصدي لهم يعاجلونه بطعنة مطواة أو ضربة رأس!.
بل إن المواطن العادي بات يخشى الإبلاغ عن اللصوص –كما هو في حالة السرقة الأخيرة– خشية أن ينتقم منه اللصوص والبلطجية لاحقا، وهو ما يحدث بالفعل مما يجعل الموطن العادي يؤثر السلامة ويرفع شعار السلبية!.
وليت الأمر يقتصر على السرقة، فقد تعددت حوادث الاغتصاب والتعدي على الإناث، وظهرت لأول مرة بصورة وبائية قضايا التحرش الجماعي بفعل جيوش الشباب العاطل الجائع الضائع في وسط القاهرة خصوصا وعدة عواصم عربية أخرى، وأصبحت الظاهرة منتشرة في كل المناسبات الجماعية والحفلات الكبرى وحتى موالد الأولياء الصالحين، وبعض الزميلات الصحفيات تحدثن عن حالات تحرش بهن في هذه الموالد الدينية -التي يستغلها المتحرشون أيضا- كي يلقين الضوء على هذا الوباء.
وطبعًا اللص أو المرتشي أو المتحرش أو المغتصب لا يهمه الضحية في شيء.. يهمه فقط إرضاء غريزته سواء بتوفير المال أو قضاء حاجته الحيوانية بطرق غير شرعية عبر الاغتصاب والتحرش، ما دام أنه لا يحلم أصلا بالزواج الشرعي.. قد يسرق "لاب توبي" لمجرد أن يحصل على بضعة جنيهات قليلة توفر له شمة هيروين أو حقنة مخدر، ولا يعبأ كثيرا بما أضاعه علي من أرشيف صحفي هو أشبه بحياتي، ولا يهمه ضياع حياة فتاة وربما انتحارها خشية الفضيحة!.
أرجوك.. لا تسرقني
هذه السرقات والمشكلات الاجتماعية تصاعدت بصورة خطيرة في الآونة الأخيرة لحد وضع مواطنين أبوابا حديدية على المنازل وانتشار تجارة أجهزة السرقة والإنذار المبكر والكاميرات، وخصوصا مع تعظيم السلطة لـ"الأمن السياسي" الذي أصبحت له الأولوية على حساب "الأمن الجنائي"، حتى أنني أخشى أن يضطر كل ضحية للتسول وكتابة قصائد الشعر حبا في سارقيه كي يتعطفوا عليه ويردوا له على الأقل أوراقه المهمة ويحتفظوا بالمال!.
ولولا أنني احتسبت الأمر كله عند الله، لكتبت أناشد اللصوص وأصدقائي أيضا قائلا: "تعاطفك وحده مش كفاية.. تبرع.. ولو بـ"لاب توب"!!.