السيّد راضي.. من المسرح.. إلى رئاسة اتحاد الفنانين العرب

تطرقت دردشة قديمة بيني وبين الأديب والدبلوماسي الراحل يحيى حقي في شقته بمصر الجديدة بالقاهرة إلى الحديث عن الفنان السيّد راضي، وكانت إعلانات مسرحية “الصعايدة وصلوا” من إخراج راضي، قد ملأت الشوارع ووسائل الإعلام، وسألني الأديب الراحل المولع دائمًا بالتعبيرات المصرية الفريدة في قصصه: “إيه حكاية الصعايدة وصلوا؟”، فقلت له إنها مسرحية جديدة من إخراج السيّد راضي وأتوقع لها النجاح الكبير، خاصة أنها تتطرق لموضوع أثير، وشخصية لا يخلو مجلس من تناولها بالسلب غالبًا، وهي شخصية الصعيدي، فإذا لم يحسن أحد المصريين التعامل مع وسائل التكنولوجيا على سبيل المثال، جاء التعليق الساخر من أحدهم “الصعايدة وصلوا” الذي صار مثلاً يتردد بين الجميع في أغلب الأوقات.
والتفات الراحل يحيى حقي للتعبير لم يكن مفاجأة لي، فالرجل صاحب “قنديل أم هاشم”، كان مغرمًا بالتعبيرات المصرية الصميمة، وقد جمع في كتبه عددًا من التعبيرات والأمثال الشعبية المصرية الرائعة رغم أصوله التركية، وربما كان ذلك الأصل التركي دافعًا لالتقاط تلك التعبيرات الفريدة، والغريبة على الذهنية التركية.
لكن التقاط الراحل السيّد راضي للتعبير راجع لحساسية فنية لرجل تفجّر بالكوميديا، وهو الذي كان أخرج من قبل “انتهى الدرس يا غبي” بطولة محمد صبحي الذي تحمّس له، وأفرد له دور البطولة متحديًا به نجومًا آخرين فرضوا وجودهم على الساحة الفنية، وكان من الصعب الدفع بمنافسين لهم.
وفي مسيرة الفنان الكبير الراحل السيّد راضي الفنية، مسيرة حافلة بالعطاء والإبداع والأولوية، في مختلف المجالات الفنية، مسرح.. تلفزيون.. سينما، وإن كان قد تخصّص وتألق في المسرح وأصبح أحد روّاده في مصر والعالم العربي، فهو أسّس مسرح الطفل في مصر، وأخرج أكثر من 25 عملاً مسرحيًّا، من أهمها “البرنسيسة”، و “دلع الهوانم”، و “زواج مستر سلامة”، و “مهرجان الحرامية”، و “انتهي الدرس ياغبي”، و “الصعايدة وصلوا”، و “سوق الحلاوة”، و “حالة طوارئ”، و “الدكتور زعتر”، و “الدخول بالملابس الرسمية”، و “خد الفلوس واجري”، و “100 مسا”، وغيرها.
كما أخرج العديد من مسرحيات الطفل منها “السيرك”، و“مصنع الشيكولاتة” و“الأمير الصغير”.
كما نظم مهرجان موليير المسرحي وأخرج فيه أعمالاً، منها “البخيل”، و“طيّب رغم أنفه”، و“مريض الوهم”.. وأسّس فرقته المسرحية المعروفة باسم “الكوميدي شو”.
وفي السينما، شارك في بطولة أفلام “أبناء الصمت”، و“صراع الأحفاد”، و“الإنس والجن” و“العبيط”.
وفي الدراما التليفزيونية شارك في “رأفت الهجان”، و“أمهات في المنفى”، و“الحصان الأسود” و“سلطان الغرام”.
وخلال رحلته الفنية الطويلة تقلد راضي العديد من المناصب، منها مدير المسرح الكوميدي عام 1980، ورئيس لجان الإنتاج المشترك في البيت الفني للمسرح عام 1987، وعضو المجلس الأعلى للثقافة عام 1992، ووكيل وزارة الثقافة والآداب عام 1996، ثم أُنتخب رئيسًا للاتحاد العام لنقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية عام 1993.
وشجع اهتمام السيّد راضي بمسرح الطفل في مصر، الاتجاه لتعميم الفكرة عبر التليفزيون، وقد أتاحت أعماله، ومنها “مصنع الشيكولاتة”، و“الأمير الصغير” على سبيل المثال، الفرصة لأكبر عدد من أطفال مصر والعالم العربي للاستمتاع بفنه وأعماله بما تحمله من فن وفكر ارتفع كثيرًا بمستوى ومحتوى أعمال الطفل في مصر وخاصة أعمال المؤلف المتميز شوقي خميس.
والفنان الراحل السيّد راضي هو أيضًا رئيس اتحاد الفنانين العرب، وقام بتأسيس المسرح الليبي بمدينة بني غازي، كما ساهم في تأسيس مسرح الطفل في فلسطين، وفي تونس.
وقد عمل خلال توليه لاتحاد النقابات الفنية على الارتقاء بقيمة الفن والفنان المصري والاهتمام بعلاج الفنانين في الخارج على نفقة الدولة وتوقيع البروتوكولات مع النقابات الفنية العربية.
ووصف النّقاد راضي بالعبقري، حيث فرض فنه وأسلوبه الشخصي كمخرج وممثل، بعد تخرجه من المعهد العالي للفنون المسرحية، وهو يطوّع تكوينه الجسدي لتقديم الصورة المرئية للشخصية الدرامية، وكذلك طريقة إلقائه وطبقته الصوتية وحتى تفسيره للعمل الدرامي نفسه كان ينقله لممثليه أثناء التدريبات ببساطة شديدة سرعان ما يتشربونها منه ليصبحوا بعد ظهورهم على المسرح نجومًا يحملون طابعه وأسلوبه في فن الأداء التمثيلي.
كما أشادوا بمواقفه السياسية الداعمة للموقف العربي من قضية التطبيع مع إسرائيل، فقد اتخذ راضي موقفًا ثابتًا لإتحاد النقابات الفنية المصرية من تلك القضية، وأصرّ على محاسبة كل من يخالف ذلك من الفنانين، كما حرص على المشاركة في المناسبات الكبيرة على المستوى المحلي أو العربي، ومنها على سبيل المثال قيامه بإلقاء كلمة سياسية وإنسانية بالغة القوة والتأثير في السفارة الفلسطينية في الكويت قبل الغزو العراقي لتوضيح الموقف من الفلسطينيين، ويومها كادت الجماهير الفلسطينية أن تحمله على الأعناق.
توفي الفنان الكبير السيّد راضي -يرحمه الله- يوم الجمعة 10 إبريل الماضي عن عمر يناهز 74 عامًا، حيث إنه من مواليد عام 1935م.