"أسرة سعيدة بلا أمراض" شعار رفعته الحكومة الكويتية في مواجهة طوفان الأمراض الوراثية الذي غزا المجتمع الكويتي؛ بسبب انتشار ظاهرة زواج الأقارب؛ حيث قررت بداية أغسطس الحالي تطبيق قانون الفحص الطبي الإلزامي للكويتيين المقبلين على الزواج للتأكد من خلوهم من الأمراض الوراثية والوبائية.
شهد القرار في الأيام الأولى لتطبيقه إقبالا محدودا من الجنسين، اقتصر على تقدم 45 شخصا فقط، ليعكس توجس وحذر الشباب ورفض العائلات والمجتمع القبلي له مخافة الكشف عن الأسرار الصحية للقبائل، رغم أن القانون ينص على سرية المعلومات ويعاقب كل من يفشيها بعقوبات مشددة.
منذ الإعلان عن قانون الفحص الطبي قبل الزواج في نوفمبر 2008 وقبل إقراره من مجلس الأمة مؤخرا، شهدت الكويت زيادة في معدلات الزواج، خصوصا في المناطق الخارجية.. فقد كشفت الإحصائيات الصادرة من وزارة العدل عن زيادة مطردة في حالات الزواج خلال الفترة من سبتمبر من العام الماضي من 793 إلى 1401 حالة في مايو من نفس العام، وذلك لرغبة أبناء البدو والقبائل في إتمام زيجات أبنائهم وبناتهم قبل تطبيق القانون رسميا، خاصة في ظل وجود معارضة كبيرة لتعارضه مع التقاليد والأعراف القبلية، وخوفا من أن يرفض بعض شباب القبائل من الجنسين إتمام الزواج من أبناء أو بنات عمومتهم إذا أثبت الفحص الطبي احتمالية إصابة الأبناء من تلك الزيجات بالأمراض الوراثية، والتي يعد زواج الأقارب أحد أسبابها.
مؤيد ومعارض
وقد اختلفت آراء الشباب الكويتي بين القبول والرفض للقرار؛ حيث يراه المؤيدون تنظيميا في المقام الأول يهدف للحفاظ على الحياة الزوجية ويضمن استقرار الأسرة دون منغصات، مؤكدين أن القانون لا يساهم في زيادة نسبة العنوسة التي تنحصر أسبابها في زيادة نسبة النساء على الرجال، وعدم نشر ثقافة التعدد إلى جانب غلاء المهور.
أما الطرف الآخر فيرون أن سلبياته أكثر من إيجابياته وأن إجراءات الفحص ستؤدي إلى تفشي الواسطة، وبالتالي قد يحصل أحد الطرفين على تقرير طبي لمصلحته وهو في الحقيقة مصاب بمرض، فينخدع الطرف الآخر، بالإضافة إلى الحرج الاجتماعي الذي سيتسبب فيه الفحص عندما يكتشف أحد الطرفين أنه مصاب بمرض فتكثر الشائعات حوله، مشيرين إلى أن هناك حلا أفضل وهو إتمام الزواج، وإن ثبتت أي مضاعفات سلبية مستقبلا فالطلاق أو التعدد هو الحل.
الاختيار للزوجين
من ناحيته أكد د. يعقوب الكندري مدير إدارة الصحة الاجتماعية بوزارة الصحة أن الهدف من تطبيق هذا القانون هو ضمان أسرة آمنة وصحية وسعيدة وخالية من الأمراض الوراثية أو المعدية، مشيرا إلى أن القرار بعد النتيجة متروك لخيار الزوجين، وليس هناك أي إلزام لهما.
وأوضح أن الفحص سيكون لثلاثة أمراض وراثية وهي تكسر الدم المنجلي، والثلاسيميا، وإنزيم نقص الخميرة، إضافة إلى الأمراض المعدية مثل الزهري والإيدز والتهاب الكبد الوبائي، لافتا إلى أن وزارة الصحة لن يقتصر دورها على أخذ العينات فقط، وإنما تحويل المريض في حالة اكتشاف إصابته بمرض ما إلى الجهة المخولة لعلاجه من الأمراض التي يعاني منها.
وأضاف الكندري: إذا كان الطرفان خاليين من أي أمراض نقوم بإعطائهما شهادة خلو من موانع الزواج، أما إذا كان أحدهما مصابا بأي مرض معدٍ أو وراثي فإن الوزارة تتصل به وتقدم له المشورة، وفي حال إصرار الأطراف على إتمام الزواج رغم وجود موانع مرضية فيجب أن يوقعوا على إقرار بذلك ويتسلموا شهادة الفحص قبل الزواج.
من جانبها بدأت وزارة العدل تطبيق العمل بقانون الفحص الطبي قبل الزواج، بحيث يلزم المتقدمين للزواج من الكويتيين تقديم نتيجة الفحص من وزارة الصحة لإدارة التوثيقات الشرعية أو المأذونين الرسميين المعتمدين لدى وزارة العدل.
وأكد د. بدر الزمانان وكيل وزارة العدل للشئون القانونية ما صرح به الكندري من أن القانون ينص على أن نتيجة الفحص الطبي لا تمنع من إبرام عقد الزواج إلا للمرأة التي لم تبلغ سن الرشد، وأنه في حال كون نتيجة الفحص غير آمنة فإنه لا يعتد في هذه الحالة بموافقتها ولا يحق لوليها تمثيلها.
وبالنسبة لحضور الزوجين أوضح الزمانان أن المطلوب هو حضور أحد طرفي الزواج أو الزوجة أو الولي أو أي شخص آخر مفوض بوكالة رسمية، مصطحبا معه الإثباتات الأصلية التي سيتم اعتمادها لعمل الطلب، وهي البطاقة المدنية الأصلية أو جواز السفر بالنسبة لغيرهم أو كتاب من اللجنة التنفيذية للمقيمين بصورة غير قانونية في حالة إذا ما كان أحد طرفي العقد غير كويتي.
وذكر أن الفحص الطبي مقصور فقط على الكويتيين أو في حالة إذا ما كان أحد طرفي عقد الزواج كويتي، سواء كان الزوج أو الزوجة، وأن القانون استثنى المقيمين من تلك الإجراءات، وعن الجهات المعتمدة لإجراءات الفحص الطبي أكد أن الجهة الوحيدة المعتمدة هي وزارة الصحة متمثلة في مركز الفحص الطبي قبل الزواج، وبالتالي فلن تعتمد أي شهادة صادرة من غير ذلك المركز، سواء مستشفيات خاصة أو غيرها من المراكز الطبية.
الدفع أولى من الرفع
«الدفع أولى من الرفع» من منطلق هذه القاعدة أيد د.محمد العتيبي، أخصائي طب العائلة، القانون موضحا أن دفع الضرر قبل وقوعه أولى وأسهل من رفعه بعد حدوثه، وأن الفحص قبل الزواج يعمل على الحد من انتشار أمراض الدم الوراثية والمعدية، كما يعمل على تجنب المشاكل الاجتماعية والنفسية للأسر التي يعاني أطفالها من أمراض وراثية، فضلا عن التقليل من الأعباء المالية الناتجة عن علاج المصابين بالأمراض الوراثية والمعدية وتقليل الضغط على المؤسسات الصحية.
وشدد العتيبي على أن دور الطبيب أن يبلغ عن نتيجة الفحص بشكل سري، ويشرح الاحتمالات التي يمكن أن تحدث للأبناء لو تم الزواج، ولا يتدخل في القرار النهائي، فالرجل والمرأة هما أصحاب القرار المناسب في الزواج من عدمه.
الجديد مرفوض دائما
من جانبه أشار د.بدر العيسى الأستاذ بقسم الاجتماع جامعة الكويت إلى أن هذا القانون كان لابد أن يوجد في المجتمع منذ فترة طويلة؛ لأنه يحفظ للإنسان وجوده في المجتمع، وأن الأزواج الذين أنجبوا أطفالا معاقين أو يعانون من مرض مزمن لو كانوا يعلمون أن هذا سوف يحدث لأبنائهم لما تزوجوا، ذاكرا أن كل قانون يغير مجرى الحياة العادية يواجه بالرفض في البداية، ولكنه بعد فترة يصبح واقعا ويستقبله المجتمع بصدر رحب.
ووصف د.محمد عبد الله الهاجري أستاذ علم الشريعة وأصول الدين القانون بأنه من أفضل القوانين التي تم إنجازها؛ لأنه يساهم في تلاشي العديد من الأمراض الوراثية والإعاقة، رافضا رأي بعض علماء الشريعة الذين عارضوه لأنهم يرون أنه يتسبب في نوع من الوسوسة لدى بعض الناس، مشيرا إلى أنه يمنع العديد من الأمراض التي تعكر صفو الحياة الزوجية وتؤثر عليها بالسلب، مستدلا على ذلك بتطبيق السعودية له منذ سنوات بعد إقرار كبار علماء الشريعة له.