عقدت يوم الثلاثاء 28-7-2009 ندوة مشتركة بين مجلة الكتب وجهات نظر وموقع "إسلاميون.نت" التابع لشبكة "إسلام أون لاين.نت" لمناقشة كتاب "إسلام بلا خوف.. مصر والإسلاميون الجدد" من تأليف د.ريموند بيكر أستاذ العلوم السياسية في كلية ترينيتي الأمريكية وترجمة د. منار الشوربجي أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، والذي صدرت طبعته الإنجليزية عام 2003 والعربية عام 2008، وحضر الندوة بالإضافة للمؤلف والمترجمة هشام جعفر رئيس تحرير موقع "إسلام أون لاين.نت" العربي، وأيمن الصياد رئيس تحرير الكتب وجهات نظر، وعلاء النادي مدير تحرير موقع "إسلاميون"، وعدد من الكتاب والباحثين.
استهل ريموند بيكر حديثه في الندوة عن بداية اهتمامه بدراسة الإسلاميين الجدد والكتابة عنهم، وقال إنه تلقى صدمة كبيرة عندما جاء لمصر أول مرة عام 1968 لأنه وجد أن لا علاقة بين ما يعرفه وما درسه عن مصر والدول العربية وبين الواقع، وخاصة فيما يتعلق بالإسلام، إذ إنه لم يكن قد سبق له أن درس أي شيء عن وسطية الإسلام، وأنه استمع لصوت الوسطية لأول مرة عندما حضر صلاة العيد وخطبة الشيخ محمد الغزالي واعتبر أن تلك المناسبة كانت باكورة تعرفه على الوسطية الإسلامية عن قرب، ثم أخذت صلته ومتابعاته تتوثق بأدبيات رموز الوسطية الإسلامية: الشيخ محمد الغزالي، والدكتور يوسف القرضاوي، والدكتور أحمد كمال أبو المجد، وفهمي هويدي، والدكتور محمد سليم العوا، وطارق البشري.
ووصف ريموند طبيعة الدراسات الغربية عن الإسلام والإسلاميين بأنها كانت تفتقد المتابعة عن كثب إلى حد بعيد، حيث كانت تعتمد بالأساس على الأحكام والرؤى المسبقة دون الرجوع إلى مصادر الإسلام الأساسية من قرآن وسنة، كما أن البعض كان يكتب عن الإسلاميين دون مقابلتهم أو حتى قراءة كتاباتهم، وأوضح ريموند أنه حاول تلافي هذا واختار طريق الكتابة عن الإسلاميين عبر المعايشة وحضور الفعاليات والمطالعة الكثيفة لما يصدر عنهم من أدبيات.
طالع أيضا:
ريموند بيكر.. بروفيــــــل
كتاب جديد عن الوسطيين
ورد ريموند عن التساؤل حول سبب اقتصاره في الكتاب على الشخصيات الست التي ذكرها وعدم إدراجه لعدد من الأسماء المهمة التي يراها البعض جديرة بالاندراج داخل مدرسة "الإسلاميون الجدد"، بالقول إنه تحدث عن مدرسة بمعنى وجود علاقات وارتباطات وأفكار مشتركة بين أقطاب هذه المدرسة، وهو ما يصدق على الشخصيات التي تناولها الذين يمكن النظر إليهم كنواة أساسية يلتف حولها عدد آخر من الشخصيات، لكن ريموند استدرك أن هذا لا يعني أن أقطاب هذه المدرسة يفكرون بنفس الطريقة، فهناك خلافات بينهم ولكن يوجد حوار مفتوح بينهم على الدوام.
كما قال ريموند إنه أراد التركيز على عدد محدود من الشخصيات حتى لا يتحول الكتاب إلى "دليل هاتف" يقوم بمجرد سرد للأسماء مع تعريف سريع بها، وأعلن ريموند أنه يجهز الآن لكتاب عن شبكة الإسلاميين الوسطيين في العالم والذي لن يقتصر على مصر والعالم العربي بل سيتناول دولا مثل مصر وإيران وتركيا، وبالتالي يمكن اعتبار كتاب إسلام بلا خوف مدخلا لعمله القادم.
وتحدث ريموند عن السبب في إطلاقه مصطلح "الإسلاميون الجدد" على هذه المدرسة، وهو أنهم كانوا يسمون أنفسهم بالتيار الإسلامي الجديد؛ ومن ثم اختصر هو هذه التسمية لتصبح "الإسلاميون الجدد"، كما أنه اختار أن يشير إليهم باللفظ الذي يصفون به أنفسهم وهو الوسطيون ولم يستخدم تعبير معتدل "Moderate" الذي يرى أنه تحوطه بعض الظلال السلبية في الآونة الأخيرة.
تطورات مدرسة الوسطية
أثناء الندوة تمت مناقشة مدى التغير الذي يمكن أن يكون قد طرأ على أفكار هذه المدرسة في فترة الست سنوات التي مرت منذ صدور هذا الكتاب، خاصة أن أفكارها توصف بالمرونة والتطور في التفاعل مع الواقع الذي شهد تغيرات كبيرة في تلك الفترة، وبالتالي مدى صلاحية هذا الكتاب للقراءة اليوم، وفي هذا الإطار تحدث هشام جعفر عن أن المدرسة تعاني الآن أزمة كبيرة لأسباب متعددة منها تغير السياقات والواقع الذي كانت تخاطبه والذي أصبح الآن واقعا مأزوما مما ساعد على بروز تيارات أخرى ملأت جزءا من الفراغ وتمددت فيه مثل الخطاب السلفي والدعاة الجدد.
فالسياق الذي ظهرت فيه هذه المدرسة في السبعينيات والثمانينيات كان سياق الصحوة الإسلامية والحراك السياسي، وداخل هذا السياق قدم "الإسلاميون الجدد" رؤاهم وأفكارهم، ولكن هذا تغير الآن، وبعد 11 سبتمبر أصبح هناك نزاع حول من يمثل الإسلام "المعتدل"، وأصبح هناك شكل من أشكال السطو على مصطلح الوسطية، كما أصبحت هناك مساحة محافظة في مواقف هذه المدرسة من الملفات المطروحة، وغلبت على أفكارها أحيانا طابع المحافظة نتيجة التحديات الخارجية التي تحيط بواقع المجتمعات العربية والإسلامية، وضرب أمثلة بمراجعة هذه المدرسة لمواقفها من ملفات الحوار الإسلامي المسيحي والحوار مع الغرب والحوار المذهبي السني الشيعي.
ريموند بيكر
وشرح ريموند وجهة نظره في كون الكتاب يتحدث عن فترة معينة ومهمة جدا من تاريخ مصر وأنه من الطبيعي حدوث تطورات بعد هذه الفترة، كما أن أقطاب المدرسة التي تصدى لدراستها كانوا يرون جيدا ما سيأتي والكثير من مواقفهم التي أطلقوها في تلك الفترة تبدو مناسبة للمرحلة الحالية.
فأقطاب هذه المدرسة فهموا مبكرا العالم جيدا أكثر من الآخرين وفهموا التغيرات التي تحدث فيه من قبيل تأثير ثورة الاتصالات، وفهموا كذلك أن الغرب ليس واحدا وأنه ليس كل الأمريكان سواء، وأن الغرب لا يتمثل فقط في الحكومات والمؤسسات الكبرى وإنما هناك الناس العاديون والمجتمع المدني الذي يمكن التواصل معه عبر القواسم المشتركة.
وقدمت هذه المدرسة إسهامات كبيرة في أكثر من مجال مثل أفكارهم في المجال الاقتصادي التي تركز على أن يكون هناك إنتاج حقيقي في النهاية والتي اتضحت أهميتها في الأزمة المالية الأخيرة، ولكن لا بد أن نفهم أنهم في النهاية مدرسة فكرية ليست بيدهم سلطة ولا حزب وبالتالي ليس لهم دور مباشر في التغيير.
اللاعبون الجدد في الساحة الإسلامية
وبخصوص وزن هذه المدرسة وتأثيرها يرى ريموند أنه ربما يكون للسلفيين والدعاة الجدد حضور أكبر في الشارع وفي وسائل الإعلام، ولكن الوزن يقاس بمن لديه أفكار مناسبة للوقت وليس من يظهر أكثر ويتحدث أكثر، وأنه حتى الآن من يريد أن يفهم قضية معمقة في الإسلام يعود لأعلام هذه المدرسة كالعوا والقرضاوي أكثر من غيرهم من الاتجاهات الأخرى، كما أن المفكرين الكبار يؤثرون مباشرة في الدوائر التي تحيط بهم والتي تقوم بدورها بنقل هذه الأفكار للآخرين الذين لا يسمعون أو يقرءون لهؤلاء المفكرين ولكنهم يتأثرون بأفكارهم بشكل غير مباشر، وبالتالي يرى ريموند أن هذه المدرسة لا تزال تلعب دورا مهما من الصعب الحديث عن تجاوزه أو انحساره.
واتفق علاء النادي مع هذا الطرح بالقول إن الإسلاميين الجدد لم يكن لديهم على الدوام جماهير عارمة وقد ظل عطاؤهم المميز مرتبطاً بما يقدمونه من رؤى تجديدية أهلتهم لاحتلال مكانة رمزية كبيرة للتوجيه والتأثير وخاصة عبر أدوات وسيطة نقلت أفكارهم بشكل أكثر سهولة للقاعدة الجماهيرية العريضة، واستمرار حضور الإسلاميين الجدد المؤثر يمكن ملاحظته من خلال خطاب بعض الشخصيات التي يعتبرها البعض تحمل خطاباً منافساً للإسلاميين الجدد، فسلمان العودة على سبيل المثال يعيد تدوير ما أنتجه الشيخ محمد الغزالي، كما أن مراجعات الجماعة الإسلامية في مصر أعادت الاعتبار للقرضاوي والغزالي، فأقطاب هذه المدرسة يظلون أصحاب رصيد ومكانة يجعلهم في حسابات التأثير والحضور يتبوءون موقع الصدارة في المشهد الإسلامي.
بيكر يتوسط أيمن الصياد ود. منار الشوربجي
وبدورها أشارت منار الشوربجي إلى أن الدعاة الجدد على الرغم من شعبيتهم لم يكوّنوا شبكة تلاميذ ومريدين، ولم يخلقوا مؤسسات قابلة للعيش والاستمرار فترة طويلة، وبالتالي لا يمكن اعتبارهم مدرسة، كما طرحت د. منار نقطة آخر مهمة تتعلق بمدرسة الإسلاميين الجدد في اشتباكهم مع الغرب وهي أنهم تفاعلوا مع الغرب بمنطق الثقة العالية جدا في النفس، على عكس الكثير من التفاعلات التي تتم بين المنتمين لتيارات أخرى في عالمنا العربي أو الإسلامي وبين الغرب التي تكون عبارة عن حالة من حالات الانسحاق الكامل في الثقافة الغربية
بدون أي احترام للنفس ولثقافتنا ولحضارتنا ولأن لدينا ما نقدمه.