بين أزقة هذا الشارع وطرقه سجّل التاريخ سطورًا متباينة الأحداث، تتجاوز في إطارها الزمني حقبًا متفاوتة، غير أنه آثر أن يحمل اسمًا من العصر الفاطمي فقط، ليعلّق عليه التاريخ لافتة تحمل اسم المعز لدين الله الفاطمي الذي أرسل قائده جوهر الصقلي إلى مصر في العام 358 هـ ـ 969 م، حيث أصبحت مصر تحت الحكم الفاطمي حتى العام 567 هـ. عند المرور به تحس لا محالة بأنك انتقلت من منطقة هادئة تبث الهدوء والراحة في النفس خارج صخب وضوضاء القاهرة المعروفة، لتدخل في صفحات التاريخ لتعيش مع عصر الدولة الفاطمية من وحي آثار الشارع الأكبر للقاهرة وقت إنشائها؛ ليتحول الآن إلى أكبر متحف مفتوح للآثار الإسلامية وسط القاهرة الفاطمية «ذات الألف مئذنة».
حماية وترميم
ولأن التاريخ بآثاره ومعالمه مستوجب للحماية فقد صدر قرار وزارة الثقافة المصرية عام 1998 بترميم الآثار الموجودة بشارع المعز بعد أن تضرر ت معظم المزارات من جراء الزلزال الذي ضرب مصر عام 1992، وبدأ الترميم في محاولة لإعادة الطابع الإسلامي للشارع الرئيسي لعاصمة الدولة الفاطمية، وتعود تسمية الشارع بهذا الاسم نسبة إلي منذ عام بدأ افتتاح شارع المعز كأول متحف مفتوح بالقاهرة بعد إعادة تمهيد الشارع ورصفه بالجرانيت والبازلت، ومنع مرور السيارات به وخاصة سيارات النقل الثقيل التي تسببت في هبوط منسوب الشارع ممّا أثر سلبًا على حالة المباني الأثرية فيه، ويلاحظ زائر الشارع وجود 11 بوابة إلكترونية، تم إنجازها لأول مرة في المواقع الأثرية لفتح وغلق الشارع، في الوقت الذي يمنع فيه دخول السيارات إلى الشارع من التاسعة صباحًا وحتى الثانية عشرة ليلاً، ليكون السير فيه قاصرًا على المشاة فقط، باستثناء مركبات المطافئ وسيارات الإسعاف.
ثراء تاريخي
فشارع المعز لدين الله الفاطمي من باب الفتوح عند أسوار القاهرة الشمالية مرورًا بمنطقة النحاسين، ثم خان الخليلي ثم منطقة الصاغة ثم يقطعه شارع جوهر القائد «الموسكي»، فشارع الأزهر مرورًا بمنطقة الغورية والفحامين، ثم زقاق المدق والسكرية لينتهي عند باب زويلة عند الطرف الجنوبي للقاهرة القديمة، ولأنه مزار أثري وسياحي وسوق تجاري، يتردد عليه يوميًّا مئات الآلاف.
ورغم أن الشارع نفسه يضم 33 أثرًا منها ستة مساجد أثرية، وسبع مدارس، وسبعة أسبلة، وأربعة قصور، ووكالتان، وثلاث زوايا، وبابان هما باب الفتوح، وباب زويلة، وحمامان شعبيان، ووقف أثري، إلا أن هناك آثارًا أخرى في الشوارع الجانبية تحجبها آثار الشارع نفسه والمحلات التجارية يجري ترميمها حاليًا على امتداد الشارع الذي تم الانتهاء من ما يقرب من 300 متر فقط، وبقي 1700متر ينتظر الترميم.
ومن الآثار الموجودة بشارع المعز ما يرجع إلى العصر الأيوبي كمدرسة صالح نجم الدين، والعصر العثماني مثل أسبله خسرو باشا، ثم عصر محمد علي مثل جامع سليمان أغا السلحدار، وسبيل محمد علي بالنحاسين الذي تم تحويله إلى متحف يحكي قصة النسيج، بدءًا من العصر الفرعوني، وحتى العصر الحديث. ويعتبر هذا المتحف فريدًا في نوعه و يبرز تطور صناعة النسيج وفنونه التي اختلفت من عصر إلى عصر، وكان النسيج المصري دومًا يحظى بإقبال كبير في كل مكان بالعالم.
ومن المنازل المشهورة بشارع المعز منزل الست وسيلة، وبيت الهراوي ويقع في زقاق خلف جامع الأزهر الذي تحول إلي بيت العود العربي، بيت السحيمى الذي تقام فيه احتفالات دينية وتقام فيه مناسبات ثقافية طوال العام، ويتحول مع الشارع خلال شهر رمضان إلي احتفالية كبرى مثل الأجواء التي كان يشهدها الشارع منذ العصر الفاطمي وخلال المناسبات الدينية والأخرى المختلفة، يمكن لزائر الشارع والمنطقة أن يلاحظ الإضاءة الحديثة لجامع السلطان برقوق، الذي تم اختياره لتنفيذ تجربة الإضاءة بألوان مختلفة، أبرزها الأصفر والأبيض، والاستعانة بالألوان الزاهية المختلفة والمبهرة فقط خلال الأعياد والاحتفالات، أو بشهر رمضان المبارك.
وخلال السير في الشارع قد تخطئك العين فلا تلاحظ مدخلاً ضيقًا يؤدى إلى الحارة التى ولد فيها نجيب محفوظ بالجمالية وأثرت في تكوينه المعرفي وأخرجت ثلاثيته المشهورة؛ فعلى بعد عشرات الأمتار من مسقط رأس محفوظ يقع القصر الشرقي الذي سكنه المعز لدين الله الفاطمي والقصر الغربي الذي سكنه ابنه، وتظل المنطقة الواقعة بين القصر الشرقي والغربي تحمل إلى يومنا هذا نفس الاسم الذي أطلق عليها فى البداية، «بين القصرين» الذي أطلقه أديبنا نجيب محفوظ